المجلة العربية، الرياض، شهرية ثقافية، العدد 439، السنة الثامنة والثلاثون، شعبان 1434هـ/ يوليو 2013م



  • أجرى الحوار: نايف كريري

تعد القضايا الفكرية والثقافية من أهم القضايا التي تحرك سواكن المجتمع، وتثريه بالحوار والنقاش، ومجتمعنا السعودي واحد من مجتمعات العصر الحديث الذي أصبحت له همومه وموضوعاته التي يتناقش حولها في مجالسه الخاصة والعامة، وهو ما أحببنا أن ننقله إلى قارئنا الكريم.




  •          الفلسفة كتيار ناشئ في السعودية كيف يمكن أن يكون في المستقبل؟ وكيف يمكن أن يتلافى ما وقعت فيه التيارات الأخرى من أخطاء أو هفوات على الساحة؟

لعله من المبكر القول إن الفلسفة باتت تمثل تيارا ناشئا في مجالنا السعودي، ولا أظن أننا وصلنا إلى هذه الوضعية، وبالشكل الذي يعطى لها وصف التيار والتيار الناشئ، وما يقتضيه هذا الوصف من شروط وجودية وعلمية. فنحن ما زلنا في طور النقاش الجدلي، وعلى صورة النقاش الكلامي القديم الدائر حول حلية الفلسفة أو حرمتها، وهو النقاش المتأثر بالهجمة العنيفة التي شنها الغزالي على الفلسفة في القرن الخامس الهجري، وبالهجمة العنيفة الثانية التي شنها ابن تيمية على الفلسفة والمنطق في القرن الثامن الهجري.


وقد نكون المجتمع الوحيد من بين المجتمعات العربية والإسلامية المعاصرة، الذي ما زال يتعاطى مع الفلسفة بهذه الطريقة الحذرة والمشككة، والمتأخرة للغاية.


والنقاش الجديد المنبعث حول الفلسفة لن يشكل تيارا، ولن يكون له مستقبل ما لم يتصف هذا النقاش بالديمومة والاضطراد من جهة، وبالفاعلية والتجدد من جهة أخرى، وما لم يتجلى في أشخاص وكتب ومؤسسات، في أشخاص رواد ومؤثرين، وفي كتب رائدة ومؤثرة، وفي مؤسسات تنهض بهذه المهمة، وهذا ما ينقصنا فعلا، لهذا فإن الحديث عن مستقبل الفلسفة عندنا ما زال يكتنفه الغموض!




  •     يعيش المجتمع وخاصة في العقد الأخير عددا من التغيرات على كافة المستويات الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية وغيرها، فما أثر هذا الحراك المجتمعي في تشكيل الفكر السعودي، وما النتائج المؤملة من هذا الحراك للوصول إلى تشكل فكري ناضج؟

ما زال المجتمع يعيش ويتأثر بهذه التغيرات وعلى المستويات كافة، ويبدو أن هذه التغيرات لن تتوقف، لكنها لن تكون على وتيرة واحدة، وستظل متفاوتة ومتأرجحة صعودا وهبوطا من وقت لآخر.


وهذا يعني أن أثر هذه التغيرات سيظل قائما ومستمرا في حركة تشكل الفكر السعودي، الذي كان بحاجة إلى هذه التغيرات لكي يتنبه إلى ذاته، ويحافظ على يقظته، ويلتفت إلى علاقته بالعصر والعالم.


ومن النتائج المؤملة لهذه التغيرات، ولهذا الحراك المجتمعي ضرورة أن يحافظ الفكر السعودي على حيويته وديناميته، ويتلمس الحاجة الجادة إلى التجدد والتطور، وإلى بناء خطاب تواصلي ينفتح على المجتمع السعودي بكليته.




  •     ما المدى الذي يمكن أن يتقاطع فيه الخطاب الديني مع الخطاب الثقافي؟ وحتى مع الخطاب الفلسفي الظاهر حديثا في الفكر السعودي، وما السبب في كون الخطاب الديني دائما أحد أطراف المعادلة في الحوارات الفكرية؟

كان من المفترض بعد هذه السجالات الطويلة والحادة بين الخطابين الديني والثقافي في مجالنا السعودي، أن يكتشفا نفسيهما، ويتعرفا على بعضهما، ويصلا إلى حالة من التقاطع لا أقل في بعض القضايا الأساسية، وتتوقف بينهما الخصومة الشديدة، وتأخذ حالة الهدوء لفترة طويلة.


 لأن المفترض من هذه السجالات الطويلة أن تعرف كل طرف إلى الآخر، وبطريقة تقود إلى فهم الآخر والاقتراب منه.


بمعنى أن الخطاب الديني بعد هذه السجالات الطويلة، كان يفترض منه أن يدرك حاجته إلى الثقافة، الحاجة التي تقربه من الخطاب الثقافي هذا من جهة، ومن جهة أخرى أن الخطاب الثقافي كان يفترض منه هو الآخر، أن يدرك حاجته إلى الدين، الحاجة التي تقربه من الخطاب الديني.


وضرورة أن تتبلور بتأثير هذه السجالات، حالة جديدة يتلاقى فيها الخطاب الديني مع الخطاب الثقافي بالطريقة التي عبرت عنها في بعض كتاباتي بمفهوم المثقف الديني، وقصدت منه المفهوم الذي ينفتح على الثقافة والدين، بمعنى علوم العقل وعلوم الوحي، أو المعارف الإنسانية والمعارف الدينية، ويتخذ من الدين إطارا مرجعيا في الانفتاح على الثقافة والمعارف الإنسانية.


أما لماذا الخطاب الديني أحد أطراف معادلة الحوارات الفكرية دائما، فذلك راجع إلى قوة حضوره، وشدة هيمنته، ولطبيعته السجالية والحجاجية، ولكونه يرى نفسه أنه يمثل مركز السلطة الدينية.




  •         ما مرد غياب المشاريع المؤسساتية الثقافية والفكرية الكبرى التي يمكن أن نجدها عند بعض الأفراد فقط؟

فعلا ليس لدينا مؤسسة بنشاط وفاعلية المجلس الأعلى للثقافة في مصر، أو الهيئة المصرية العامة للكتاب، أو المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت، وليس عندنا برنامج كبرنامج القراءة للجميع ومكتبة الأسرة في مصر، أو مشروع كالمشروع القومي للترجمة في مصر… إلى غير ذلك.


ومرد ذلك أن في مصر مثلا يعطون الأولوية للثقافة، ولهذا نهضت عندهم المؤسسات الثقافية، ونحن نعطي الأولوية للدين، ولهذا نهضت عندنا المؤسسات الدينية، وغطت وبشكل لا يقارن مع المؤسسات الثقافية، الوضع الذي بحاجة إلى إعادة توازن ما بين هذين النمطين من المؤسسات، خاصة وأننا نفتقد فعلا إلى مؤسسات ثقافية كبرى في مستوى رابطة العالم الإسلامي، أو الندوة العالمية للشباب الإسلامي وغيرهما.




  •     ماذا عن غياب الخطاب النهضوي عن قاموس كثير من الخطابات المختلفة والمتعددة في الفكر السعودي؟

الخطاب النهضوي في الفكر السعودي لا يتجلى بذلك الوضوح الذي نراه عند المصريين مثلا، أو عند المغاربة أو في بلاد الشام والعراق، ويكفي للدلالة على ذلك أن مفردة الخطاب النهضوي ليست من المفردات السائدة بكثافة في مجالنا التداولي.


كما أن الخطاب النهضوي لا يمثل هاجسا كبيرا عندنا، ويمكن تلمس هذه الحالة في مستويات عديدة، فالخطاب النهضوي لا يمثل هاجسا كبيرا مثلا في الأجناس الأدبية عندنا كالشعر والقصة والرواية، ولا يمثل هاجسا كذلك في خطاباتنا الثقافية وحتى في الخطابات الدينية، والندوات والمؤتمرات والمحاضرات التي تعقد لا تتخذ من الخطاب النهضوي عنوانا لها، وهكذا في المجالات الأخرى.


هذا الوضع يلفت النظر بشدة إلى ضرورة استعادة مفهوم النهضة في الفكر السعودي المعاصر.




  •        ماذا عن أزمة الهوية التي يعيشها المجتمع السعودي؟

من الممكن أن نختلف فيما إذا كانت هناك أزمة هوية عندنا أم لا! لكن الذي أراه مهما للغاية في هذا الصدد، هو ضرورة العمل على بناء الهوية الجامعة التي يرى فيها السعوديون على امتداد هذا الوطن، أنها تمثل لهم ذاتا وذاتية.


وهذا ما حاولت التركيز عليه عند الحديث عن مسألة الخصوصية في ندوة (الهوية والعولمة في الخطاب الثقافي السعودي)، التي نظمها في الرياض مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني في شهر جمادى الآخرة .


في هذه الندوة اعتبرت أن السياق الصحيح لطرح سؤال الخصوصية، هو سياق البحث عن الذات وبناء الذات الجامعة، المعبرة عن الهوية الجامعة، التي تمثل إطارا جامعا لكل مكونات التعدد والتنوع المجتمعي، ويعرف المجتمع نفسه بها، وتجعله ينظر إلى ذاته بوصفه مجتمعا واحدا منفتحا على بعضه، ومتضامنا ومتحدا مع ذاته.    

زر الذهاب إلى الأعلى