حوار مع صحيفة شمس, السعودية, الثلاثاء 18 جمادى الآخرة 1431هـ / 1 يونيو 2010م, العدد 1602

دعا إلى الانصراف عن التفاصيل الصغيرة التي تهدر الطاقات.. الميلاد


التنوير المؤدلج.. محض ادعاء زائف




  • حاورته: سكينة المشيخص

انشغل المفكر زكي الميلاد خلال السنوات الماضية بتحليل الخطاب الثقافي العربي, ومحاولة تأسيس فكر تنويري معتدل وقادر على النهوض بالثقافة والمجتمع انطلاقا من هوية الذات وحوارها مع الآخر, وعلى ضوء القيم التي اكتسبتها المجتمعات العربية خلال تاريخها الطويل.


وفي هذا الحوار يكشف الميلاد عن بعض النقاط التي أثيرت حول مشروعه الفكري.


 




  •   اتجهت في خطاب إسلامي مباشر إلى فكرة ما بعد الحداثة.. هل استوعبنا الحداثة أو نضجت أدواتها حتى نقفز لما بعدها؟

ليس هناك تراتب زمني وتاريخي قطعي بين الفكرتين, وليس هناك تلازم فكري بينهما كذلك, فهما فكرتان مغايرتان في نظر البعض, وفي نظر البعض الآخر هما فكرتان تعبران عن إطار فكري واحد, وهناك العديد من وجهات النظر المختلفة والمتباينة في ساحة الفكر الأوروبي المعاصرة, لكن المؤكد أن فكرة ما بعد الحداثة تمثل تياراً نقديا شديدا لفكرة الحداثة.


وما يعنينا أن هامش الحوار مع فكرة ما بعد الحداثة هو أوسع وأكثر حيوية من فكرة الحداثة.


 وفي نظر البعض أن الحوار بين الغرب والإسلام ليس ممكناً إلا في إطار فكرة ما بعد الحداثة, وذلك لطبيعة المفارقات الأساسية بين الفكرتين, ومن هذه المفارقات أن مع فكرة ما بعد الحداثة يمكن الحديث عن حداثات متعددة, لكن مع فكرة الحداثة لا يمكن الحديث إلا عن حداثة واحدة هي حداثة الغرب لا غير.


 ومن هذه المفارقات أيضاً أن مع فكرة ما بعد الحداثة يمكن الحديث عن حاجة الغرب للثقافات الإنسانية غير الأوروبية وإلى التعلم منها أيضاً, بينما مع فكرة الحداثة لا يمكن الحديث إلا عن حاجة الثقافات الإنسانية غير الأوروبية إلى الغرب.


وتبقى المفارقة الأهم أن فكرة ما بعد الحداثة جاءت لتفكيك وخلخلة نظرية المركزية الأوروبية التي جعلت الغرب ينظر إلى العالم على أساس العلاقة بين المركز والأطراف, وهذا ما تدافع عنه وتتمسك به فكرة الحداثة.


 




  •    بعض الخطاب الإسلامي مشغول بمنهج تقليدي وبالتالي فهو بعيد عن قضايا التجديد والحداثة، كيف نطور خطابا جامعا يصرف النظر عن التفاصيل الصغيرة؟

لسنا أمام خطاب إسلامي واحد متحد, وإنما نحن أمام خطابات إسلامية متعددة ومتنوعة في مساراتها ومسلكياتها العملية والسلوكية, وفي أفكارها ومفاهيمها الاجتهادية, وحتى في بيئاتها ومحاضنها الاجتماعية.


 والخطاب الإسلامي المنشغل بالمنهج التقليدي والبعيد عن قضايا التجديد والحداثة, كان وما زال يمثل واحداً من هذه الخطابات, لكنه الخطاب الذي يكون الأكثر بروزاً في بعض الأحيان, أو الخطاب الذي تتسلط عليه الأضواء أكثر من غيره, وهنا تكمن الإشكالية.


ونحن بحاجة فعلاً إلى الانصراف عن الانشغال والالتهاء بالأمور الجزئية, والتفاصيل الصغيرة التي تهدر الطاقات, وتضيع الجهود, وتستنزف الإمكانات, والانتقال إلى الاهتمام بقضايانا الكبرى والمصيرية التي يتوقف عليها مستقبلنا المشترك.


وهذا ما أردته حينما طرحت فكرة المسألة الحضارية التي تأخذ بعين الاعتبار مشكلات التخلف من جهة, وضرورات التقدم من جهة أخرى.


 




  •        علماء الاجتماعيات لم يعتنوا كثيرا بالتعصب الديني.. ألم يكن ذلك خطأ منهجيا في مكون أصيل في الطبيعة البشرية؟ وما دور علم الاجتماع في تسوية إشكالات الأزمات الدينية؟

علماء الاجتماعيات يعتنون بالظواهر التي حدثت على الأرض, ويلتفتون إلى الحوادث التي تحولت إلى ظاهرة, أو التي بإمكانها أن تتحول إلى ظاهرة, وذلك لأنهم يعطون الأولوية لجانب التوصيف والتفسير والتحليل, وهذا ما تزودهم به العلوم الاجتماعية ومنهجياتها.


وعلماء الاجتماعيات لم يعتنوا كثيراً في السابق بالتعصب الديني, لأنه لم يكن بمستوى الظهور الذي هو عليه اليوم, حيث بات موضع اهتمام العالم ويتقدم على غيره من أنماط التعصب الأخرى.


كما أن الدراسات التي كانت تركز سابقاً على الديانة المسيحية بشكل أساسي, وبقدر ما على الديانة اليهودية في الحديث عن الدين والتعصب, تغيرت كذلك وبات الاهتمام يتركز وبشكل أساسي على الديانة الإسلامية, وبقدر ما على باقي الديانات الأخرى.


ويعد هذا التغير أمراً واضحاً ومدركاً عند الباحثين والمهتمين بهذا الشأن, وذلك لشدة وضوحه وانكشافه, وتواتر الحديث عنه على مستوى العالم.


واليوم تقدم العلوم الاجتماعية الحديثة بصورة عامة, وعلم النفس الاجتماعي بصورة خاصة, خبرة معرفية ومنهجية ذات قيمة عالية في دراسة وتحليل وتفسير ظاهرة التعصب, خبرة لا يمكن الاستغناء عنها بأي وجه من الوجوه, بحيث يمكن القول إن كل حديث يتناول هذه الظاهرة, ولا يرجع لهذه الخبرة والاستفادة منها يعد ناقصاً ومبتوراً.


وهذا ما حاول التأكيد والبرهنة عليه الدكتور جون دكت أستاذ علم النفس الاجتماعي بجامعة كيب تاون بجنوب أفريقيا في كتابه القيم (علم النفس الاجتماعي والتعصب), الذي أوضح فيه كيف أن العلوم الاجتماعية بدأت في السبعين عاماً الأخيرة ببذل جهود محددة لفهم طبيعة التعصب وأسبابه, وحققت خلال هذه الفترة إنجازات هامة.


 


 




  •        ما وجه الأزمة في خطاب التنوير العربي؟ والى أي مدى يتحمل المثقفون مسؤولية ذلك؟

هناك أزمة حقيقية في خطاب التنوير العربي, كان وما زال عليها منذ عقود من الزمان, ولا يكاد أحد يختلف على هذه الأزمة وجوديا, ولا يجري الحديث عن هذا الخطاب إلا في إطار هذه الأزمة.


وهناك من يرى أن أزمة خطاب التنوير في المجال العربي أنه لا يستند على فلسفات وخطابات تنويرية عربية, وإنما يستند على فلسفات وخطابات أوروبية, وهناك من يرى مثل علي حرب أن المثقف بات أعجز من أن يقوم بتنوير الناس, إذ هو الذي أصبح يحتاج إلى التنوير بعدما تعامل مع فكرة التنوير بصورة غير تنويرية, وأن علاقة المثقف بالتنوير ليست علاقة إنتاج وإبداع بقدر ما هي علاقة ترويج ودفاع.


وأرى أن هناك وجهاً آخر لهذه الأزمة يتحدد في تحول التنوير خصوصاً في العقدين الأخيرين إلى ما يشبه الأيديولوجيا, أو هكذا حوّله بعض المثقفين العرب, الأيديولوجيا التي أفرغت التنوير من المحتوى المعرفي والإنساني, وأصبح التنوير أداة للتعبئة والمواجهة والإقصاء, من خلال تقسيم الناس إلى تنويريين وظلاميين, بطريقة لا تخلو من تعسف, ومن ازدواجية في المعايير, ومحاولة احتكار التنوير, بإدخال البعض في دائرته, وإخراج البعض الآخر لمجرد التوافق أو الاختلاف الفكري والسياسي.


والتنوير الذي تحوّل إلى أيديولوجيا, أو حين يعبر التنوير عن نفسه من خلال الأيديولوجيا, فإن هذا التنوير لا يعدو إلا أن يكون ادعاءً, ولا ينتج فعلاً تنويرياً!


 


 




  •         المثقف العربي مهزوم من داخله ويدور في فلك واسع للوصول إلى مقصده.. هل يبرر ذلك فشله في لعب دوره الثقافي؟

لا يمكن التسليم بإطلاق بأن المثقف العربي مهزوم من داخله, وذلك لأننا في المجال العربي أمام أنماط من المثقفين ولسنا أمام نمط واحد, وهذا الوصف قد يصلح إطلاقه على نمط من المثقفين, ولكن ليس على جميع أنماط المثقفين.


وهناك من حاول أن يعلن عن هزيمة المثقف صراحة, وهذا ما وجده البعض من النقد الشديد والمفرط الذي وجهه المفكر اللبناني علي حرب للمثقف في كتابه (أوهام النخبة أو نقد المثقف) الصادر سنة 1996م, ومن جهته لم ينف علي حرب شدة النقد وقسوته, واعترف أنه فتح النار على المثقف, ووضعه في دائرة الاتهام.


والذين وضعوا المثقف في دائرة النقد والمساءلة, ما كانوا بصدد أن يتخلى عن دوره الثقافي, بل ليركز دوره في هذا المجال الثقافي, لأنه مجاله الوحيد الذي لا يمكن أن يخفق فيه, حسب رأي هؤلاء.


 

زر الذهاب إلى الأعلى