حوار مع صحيفة الشرق القطرية الأربعاء 5 جمادى الآخرة 1431هـ / 19 مايو 2010م, العدد 8007

المفكر السعودي زكي الميلاد ل(الشرق):


الفكر العربي يواجه أزمة ولم يحقق تقدما في قيم التنوير والعقلانية




  • الإسكندرية: طه عبد الرحمن

يعد المفكر السعودي زكي الميلاد واحدا من أبرز المتخصصين في الدراسات الإسلامية, وأحد الباحثين في الفكر الإسلامي والإسلاميات المعاصرة, وهو من مواليد القطيف شرق المملكة العربية السعودية, ومستشار أكاديمي في المعهد العالمي للفكر الإسلامي بالولايات المتحدة الأمريكية, له العديد من الكتابات, دراسات ومقالات منشورة في أكثر من 40 بين دورية ومجلة وصحيفة, فصلية وشهرية وأسبوعية ويومية.


وخلال زيارته لمكتبة الإسكندرية التقته (الشرق) للحديث معه حول عدة قضايا فكرية وثقافية. تناول الحوار ما يتردد عن إصابة المبدعين بما يعرف بثقافة الخوف, وفرض الرقابة الذاتية على إبداعاتهم, بالإضافة إلى مدى تأثير التيار التغريبي في إحداث اضطرابات فكرية وثقافية داخل المشهد الثقافي العربي, إلى غيرها من المحاور الثقافية.


 




  •    من خلال مشاركتك مؤخرا في مؤتمر الإصلاح العربي بمكتبة الإسكندرية, هل يمكن القول بأن بلادنا وصلت حاليا إلى حالة ايجابية من هذا الإصلاح, وخاصة فيما يتعلق بالجانب الثقافي؟

ما زال أمامنا مشوار طويل في طريق الإصلاح الذي تأخرنا عنه كثيرا,ً وتردت عندنا الأحوال ووصلت إلى الحضيض, وباتت جميع الأمم تجد عزاءها فينا, وهو العزاء الذي حاول الكاتب الأمريكي بول كنيدي في كتابه (الاستعداد للقرن الحادي والعشرين) الصادر سنة 1992م, أن يسلي به دول أمريكا اللاتينية التي توقع لها أن تصبح هامشية بعد نهاية الحرب الباردة.


وفي الجانب الثقافي كنت قد دعوت من قبل إلى تحويل فكرة الإصلاح إلى فلسفة, وذلك لشدة حاجتنا لهذه الفكرة بعد أن وصلنا إلى ما وصلنا إليه, والقصد من هذا التحويل هو إعطاء فكرة الإصلاح قوة المعنى, وحتى نجتهد في تطوير وتعميق الأبعاد المعرفية لهذه الفكرة, وجعلها فكرة غنية وثرية بالمعاني والدلالات, ولكي يكون لهذه الفكرة من الفاعلية والتأثير ما يعادل التأثير العظيم لفكرة التنوير في أوروبا القرن التاسع عشر, وعلى أمل أن ندخل عصر الإصلاح, والسؤال متى ندخل هذا العصر؟ ومتى نرى أنفسنا أننا دخلنا عصر الإصلاح؟


هذا هو ما نريده تحديداً من فكرة الإصلاح في المجال الثقافي, وفي غيره من المجالات الأخرى.


 




  •    برأيك لماذا كان الإقدام على الإصلاح ومنها الثقافي بالطبع, مرهونا بضغوط واستجابة لرغبات أجنبية إبان مطالبة الإدارة الأمريكية السابقة للدول العربية بأهمية تطبيق الإصلاح؟

العالم العربي والإسلامي ولأسباب ثقافية وتاريخية شديد الحساسية من التأثيرات الخارجية والغربية منها تحديداً, ومن الخطأ الفادح ربط الإصلاح في المجال العربي والإسلامي بتأثيرات خارجية أو بضغوط أجنبية, فهذه التأثيرات والضغوط لا تعنينا بشيء.


 والذي يعنينا أن هناك حاجة ملحة للإصلاح ولا تحتمل التأخير بعد كل هذا التأخير الذي حصل, فالعالم يتغير من حولنا وعلينا أن نغير ما بأنفسنا حتى نمتلك القدرة والإرادة على تغيير ما حولنا, وحتى تعصف بنا روح التغيير التي لابد منها لإحداث تغيير حقيقي على طريق بناء نهضة شاملة في الأمة.




  •        إلى أي حد ساهم التيار التغريبي بالعالم العربي في إحداث حالة من الاضطراب الفكري داخل مجتمعاتنا؟

نقصد بالتيار التغريبي ذلك التيار الذي يتماهى كلياً ومع سبق الإصرار بالثقافة الغربية ويتخذ منها شرعة ومنهاجاً, ولا يجد سبيلاً لنهضة وتقدم مجتمعاتنا العربية والإسلامية إلا بإتباع النموذج الغربي ولا نموذج سواه, فلا طريق للتقدم إلا عن طريق الغرب, ولا حداثة إلا بحداثة الغرب, ولا شروق إلا من الغرب كما عبر عن ذلك في وقت سابق الدكتور زكي نجيب محمود في عنوان كتاب له.


وعبر عن هذا التيار في مرحلة من المراحل فرح أنطون حين دعا في كتابه (ابن رشد وفلسفته) إلى مجاراة تيار التمدن الأوروبي الجديد وإلا جرفنا هذا التيار جميعاً, وجعلنا حسب قوله مسخرين لغيرنا.


وعبر عنه كذلك سلامة موسى في مصر حين أعلن صراحة أن علة الأقطار العربية ورأس بلواها أننا ما زلنا نعتقد أن هناك مدنية غير المدنية الأوروبية, وليس هناك حسب رأيه حد يجب أن نقف عنده في اقتباسنا من الحضارة الأوروبية, وعبر عنه آخرون كذلك.


ولا شك أن هذا التيار أحدث حالة من الاضطراب الفكري والثقافي داخل مجتمعاتنا, فقد تسبب في إحداث تمزقات في الهوية, وفي ظهور سلوكيات اجتماعية غريبة لا تمت بصلة لقيمنا ومنظومتنا الأخلاقية, وخلق تشوشات ثقافية عند الأجيال الجديدة.. إلى غير ذلك من اضطرابات فكرية.


 




  •        هناك من يعتقد أن الفكر العربي يعاني أزمة, وإذا كان الأمر كذلك فما مسببات هذه الأزمة وكيفية الخروج منها؟

ليس هناك من يختلف في العالم العربي على أن الفكر العربي يعاني من أزمة ومن أزمة شديدة وحائرة, ومسببات هذه الأزمة ترجع في أساسها وعمقها إلى أن الفكر العربي لم يحقق شيئاً من وعوده الكبيرة التي وعد بها, وظل يعد بها منذ قيام الدولة القطرية العربية في النصف الثاني من القرن العشرين, وعلى كافة الأصعدة.


 فعلى الصعيد السياسي لم يحرز تقدماً كبيرا في بناء وتحديث المؤسسات السياسية, وتوسيع أفق المشاركة السياسية للأمة, وفي بناء وترسيخ دولة القانون والحكم الرشيد.. إلى غير ذلك.


وعلى الصعيد الاقتصادي لم يحرز تقدماً كبيرا في معالجة مشكلات الفقر والبطالة, وتأمين فرص العمل, وإزالة الفوارق الاجتماعية, وتحقيق العدالة الاجتماعية.


وعلى الصعيد الثقافي لم يحرز تقدماً كبيرا في تعزيز قيم التنوير والعقلانية والحداثة وحب العلم, وهكذا في باقي المجالات الأخرى.


والخروج من هذه الأزمة لن يكون ممكناً ما لم يتحقق شيئاً متصلاً ومتراكماً من هذه الوعود.




  •    هناك إشكالية يعانيها المبدعون, وهي الرقابة الذاتية في إبداعاتهم, والتي تلتف على ما يعرف بثقافة الخوف, لماذا أصبحت ثقافة الخوف هي السائدة لدى كثير من المبدعين؟

لا يمكن الجزم بهذا الانطباع, فالمثقف الذي يعيش ثقافة الخوف في داخله لا يمكن أن يصبح مثقفا, ولا يكون المثقف مثقفا إلا إذا عاش الحرية في داخله, والمثقفون الذين بقوا في التاريخ وفي الذاكرة الإنسانية هم الذين تحرروا من ثقافة الخوف, وعاشوا الحرية في داخلهم.


وهذا لا يعني بالطبع أن يتمرد المثقف على دينه وثقافته وأمته تحت ذريعة التحرر من ثقافة الخوف والتمسك بثقافة الحرية كما يتوهم البعض, والتحرر من ثقافة الخوف لا يعني كذلك أن يرفع المثقف الرقابة الذاتية عن نفسه, فكل مثقف بحاجة إلى هذه الرقابة الذاتية حتى لا يقع في الشطط, وينتج لنا أعمالاً مثل رواية الخبز الحافي وغيرها, لكن لا ينبغي المبالغة المفرطة في ممارسة هذه الرقابة الذاتية, فالمثقف ينبغي أن يكون حراً لكن ينبغي أن يكون مسؤولاً أيضاً.


 


 

زر الذهاب إلى الأعلى