صحيفة المحرر الأسبوعية, الجزائر, 1 ذو الحجة 1429هـ / 29 نوفمبر 2008م, العدد 13

 




  • أجرى الحوار: طارق بو حبل


  •        ما هي طبيعة الأزمة التي تعيشها الأمة الإسلامية بمختلف تياراتها وتوجهاتها؟ وما السبب في تباين وجهات نظر المفكرين في ذلك، وكذا هذا التخبط وعدم القدرة إما على التزام خط النهوض أو عدم وضوح الرؤية أصلا؟

إن أول خطوة على طريق تكوين المعرفة بطبيعة هذه الأزمة, هو تغيير طرائق الفهم لطبيعة هذه الأزمة, التي طالما تحدثنا عنها بطريقة تغلب عليها حالة الإنشائية والخطابية, والتبسيط والاختزال, وهذه الطريقة لا تقدم معرفة, ولا تحرك ساكناً, ولا تستشرف مستقبلاً.


في حين أن السؤال عن طبيعة الأزمة في الأمة, هو أهم سؤال تاريخي ينبغي أن يطرح اليوم, ولتكوين المعرفة العميقة بهذا السؤال, نحن بحاجة إلى توظيف أعلى مستويات المعرفة, والاستفادة من أحدث منهجيات العلوم الإنسانية والاجتماعية, وتحريك أفضل العقول في الأمة, لأننا أمام أزمة لها طبيعة مركبة ومعقدة, وشديدة الفاعلية والتأثير, بمعنى أن هذه الأزمة تتداخل فيها عناصر مختلفة, وتتشابك فيها عوامل متفاعلة ثقافية وسياسية واجتماعية واقتصادية, وكل عامل من هذا العوامل له فاعلية شديدة التأثير.


وبمجموع هذه العوامل نصل إلى ما نسميه بمركب الأزمة, وهو المركب الحضاري, وبهذا المركب نفهم طبيعة الأزمة التي تعيشها الأمة, فهي أزمة ترجع في أساسياتها إلى المشكلة الحضارية في الأمة.


وتباين وجهات نظر المفكرين في هذا الشأن, يرجع إما إلى تباين وجهات النظر في تحديد مداخل النظر لهذه الأزمة, وإما إلى تراتب أولويات المعالجة.




  •         كيف لإنسان الأزمة أن يتحول إلى إنسان النهضة، عوامل وشروط التحول؟

التحول من إنسان الأزمة إلى إنسان النهضة, هو تحول من وعي الأزمة إلى وعي النهضة. الوعي الذي يبصر الإنسان بواقع الأزمة وحقيقتها, وينير له درب الخروج منها, والتخلص من أسرها وحصارها, الوعي الذي يكسب الإنسان إرادة التغلب على الأزمة, مهما كان نوعها وحجمها, وهذا هو المقصود من وعي الأزمة.


أما وعي النهضة, فهو الوعي الذي يحمل الإنسان مسؤولية النهوض, والعمل على إصلاح واقع الأمة, وبذل الجهد لتعميم هذا الوعي في صفوف الأمة, ليكون الوعي بالنهضة هو وعي الأمة بالنهضة, ووعي النهضة هو حصيلة وعي مركب من عناصر وشروط ثقافية وسياسية وتاريخية.




  •    يلاحظ أنه مر زمان لم تكن فرص الاتصال متاحة بالشكل الحالي، غير أن مستويات التدين والالتزام كانت جد مقبولة وهو ما أنتج صحوة إسلامية لا ينكرها إلا جاحد. إلا أنه وبتوفر الوسائل وتضخمها من انترنت وفضائيات ونشر باستعمال مختلف الوسائط ظهر نوع من فقدان الاهتمام لدى قطاعات من الشباب وحتى الملتزم منه، وكأن بركات الوعظ والإرشاد افتقدت, ما هي أسباب ذلك؟

لقد مرت علينا وعلى العالم سلسلة متلاحقة من التطورات والتحولات المتعاظمة والمتسارعة, أحدثت معها هزات عنيفة على كافة الأصعدة الثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية, ولأول مرة يحصل في التاريخ الإنساني هذا المستوى من التداخل والتشابك بين أجزاء العالم, وكل تحول بهذا المستوى يترك تداعيات وتأثيرات سلبية من جهة, وإيجابية من جهة أخرى.


وجيل الشباب في مختلف مجتمعات العالم, هو الجيل الأكثر عرضة لهذه التأثيرات سلباً أو إيجاباً. فكما أن شبكات الإعلام وتكنولوجيا الاتصالات والتقنيات الأخرى الحديثة, ساهمت بتأثيرات سلبية على علاقة فئات من الشباب بالدين, فإنها أيضاً ساهمت بتأثيرات إيجابية على علاقة فئات أخرى من الشباب في علاقتهم بالدين.




  •    تبعا للسؤال السابق، هناك توفر بشكل كبير للمعلومات وهو ما أنتج مشكلة في التعامل معها بسبب مشكلات موجودة لدينا سلفا منها سوء التنظيم (كيفيات العمل، استغلال الوقت…) فوقعنا فيما يذكر من أن كثرة المعلومات تقتل المعلومات كيف تنظرون إلى هذه القضية؟

هذا توصيف سليم, فلم تعد مشكلتنا في مجال المعلوماتية هي نقص المعلومات كما كان الوضع في السابق, وصعوبة الحصول عليها, وإنما في زيادة هذه المعلومات وتدفقها تراكمها بطريقة بات من الصعوبة مواكبتها والإحاطة بها.


وقد فتحت ثورة المعلومات أمامنا فرصة هائلة, بل فرصة ذهبية لتعويض وسد النقص الفادح في هذا الشأن, والسعي ما أمكن نحو تقليص الفجوة الرقمية والمعلوماتية التي تفصلنا عن المجتمعات المتقدمة. والتحدي الذي ينتظرنا هو كيف لا نفوت علينا هذه الفرصة الذهبية, ولا نضيعها كما ضيعنا العديد من الفرص التي مرت علينا منذ الثورة الصناعية التي حصلت في أوروبا مع بداية القرن العشرين!




  •   بخصوص الاحتلال الأمريكي للعراق، ألا ترون أن المسلمين يقعون ضحية للمخططات الأجنبية بسهولة ملفتة للنظر، وهو ما لاحظناه في أفغانستان وغيرها في عمليات استدراج وتصفية حسابات؟ أين الخلل؟

مستويات الوعي والنضج والتبصر ليست على درجة واحدة بين المسلمين, ولا حتى على مستويات متقاربة أيضاً, فهناك تباين واضح وكبير في هذا الشأن. كما أن بين المسلمين تصدعات وانقسامات حادة وخطيرة, والأشد خطورة من كل ذلك هو ضعف الوعي التاريخي عند المسلمين, الوعي الذي يجعل التاريخ حاضراً في الذاكرة, وهذا هو أرقى مستويات الوعي, ومن يصل إلى هذا المستوى من الوعي يفترض أن لا تنطلي عليه مخططات الأعداء, وهذا لعله احد مناشئ الخلل.




  •    ما هي مسؤوليات العلماء والمفكرين وأصحاب الرأي في العالم الإسلامي عن انخراط الشباب الإسلامي بسهولة ضمن هذه المخططات والمؤامرات؟ ولماذا لا تتوفر جرأة لدى هؤلاء العلماء وغيرهم لتوضيح الرؤية في الوقت المناسب؟

في مقدمة مسؤوليات العلماء والمفكرين وأصحاب الرأي اليوم في العالم الإسلامي, هو استعادة الأمل والأمل بالمستقبل عند الشباب. الأمل الذي يجدد رؤية الشباب إلى الحياة, ويبعث في نفوسهم إرادة البقاء, ويحرك طاقاتهم نحو البناء, ويدفعهم نحو التمسك بالمستقبل, والتأكيد على أن العلم هو الطريق لاستعادة الأمل والأمل بالمستقبل. ومن يفقد الأمل يصاب بالتيه, ويرمي نفسه أين ما كان ولو بالتهلكة. وهذه هي مسؤولية الشباب أنفسهم قبل أن تكون مسؤولية العلماء والمفكرين.




  •   فشلت محاولات التغيير باستخدام العنف على امتداد الزمان والمكان في العالم الإسلامي، غير أن هذا الخيار يعاود الظهور في كل مرة، ما هو سبب عدم تخلي الجماعات عن العنف بشكل مطلق؟

لقد أخفقت تجارب العنف في كل أزمنتها وأمكنتها, وفي كل عصورها وساحاتها, وفشلت فشلاً ذريعاً, وحين يعاود هذا الخيار الظهور بين وقت وآخر, فذلك بسبب أننا مجتمعات لا تقرأ, وهناك من لا يتعظ بتجارب غيره ولا يرى في الحياة إلا تجربته, وهناك من تتغلب العاطفة عنده على العقل, فتكون سبباً للتسرع في اتخاذ المواقف والقرارات, والتي تتسم بدورها بقصر النظر, وقلة النضج, ونقص الوعي, ومحدودية الخبرة والتجربة.


إلى جانب أن ظاهرة العنف اتصلت في معظم حالاتها إن لم يكن في جميعها بمرحلة الشباب, فمعظم الجماعات التي تورطت في تجارب العنف كان يغلب على تركيبها البشري جيل الشباب, ولعل هذا ما يفسر أيضاً ظهور تجارب العنف بين وقت وآخر, وذلك باعتبار أن مرحلة الشباب يغلب عليها الحماس والاندفاع, وسرعة الانفعال, وعدم تقدير نتائج الأعمال بعقلانية وتروي.




  •    ما هي أسباب عدم تمكن المسلمين من إيجاد أو التزام طريق النهوض؟ فهم إما انخرطوا فيما هو موجود أو لجأوا إلى الحلول العنيفة، لماذا يفتقد المسلمون للصبر والنفس الطويل، رغم أن الأدبيات الإسلامية تعج بالدعوة لعدم التعجل والصبر والبناء على المدى البعيد؟

لا يمكن اكتشاف طريق النهوض إلا إذا سرت في الأمة روح النهضة, الروح التي تفعل فعلها في وجدان وضمير وفكر وعقل الأمة, وتشرق عليها بإرادة وعزيمة تغير معها طباعها وسلوكها وتقاليدها, كما تغير معها رؤيتها إلى ذاتها وإلى العالم. وبهذه الروح يمكن للأمة السير في طريق النهضة, بمعنى أن اكتشاف طريق النهضة لا يعني بالضرورة السير والالتزام بهذا الطريق, الذي بحاجة إلى إرادة وعزيمة تتغلب على ثقافة التقاعس والتبرير والاستسلام, وروح النهضة تظهر في الأمة وكأنها هبة من السماء.


 


 


 


 


 

زر الذهاب إلى الأعلى