نحن والآخر.. رؤية جديدة للحوار

خصصت مجلة اليمامة, الصادرة بالرياض, قضية الأسبوع لمناقشة موضوع (نحن والآخر) بحثا عن رؤية جديدة للحوار, وتوجهت إلى عدد من المفكرين والأكاديميين السعوديين, لتقديم رؤيتهم حول هذا الموضوع, في ثلاثة محاور, ومن هؤلاء الأستاذ زكي الميلاد, وهذا هو نص المشاركة:
المحور الأول: هل تأخرنا في تحديد رؤية واضحة تحدد علاقتنا وتعاملنا مع الآخر؟
لعلنا قد تأخرنا كثيرا في إنجاز مثل هذه المهمة, التي باتت اليوم في منزلة الضرورة, وأصبحت شرطاً لتجاوز ما أصاب الفكر الديني من أزمة ومحنة تجلت في انبعاث ظواهر التطرف والغلو والتكفير, هذا على مستوى الذات, وشرطاً للخروج من المأزق الحاد الذي جعلنا وكأننا في عداء مع العالم, أو العالم في عداء معنا, وهذا على مستوى الآخر.
خصوصا بعد أن تغيرت اليوم صورة العلاقة مع الآخر, ولم يعد الآخر ذلك الذي نستطيع أن نفصل أنفسنا عنه, ونضع بيننا وبينه حواجز ومسافات. فقد أصبح هذا الذي نصطلح عليه بالآخر حاضرا معنا, وفاعلا ومؤثرا في حياتنا ومحيطنا وبيئتنا, في ظل عالم شديد الترابط والتداخل والتفاعل, كما لو أنه في صورة قرية كونية تتصاغر باستمرار, وهذه هي الصورة الافتراضية التي جاءت العولمة للإعلان عنها, والتبشير بها.
لذلك فنحن اليوم بأمس الحاجة للنهوض بمراجعات جذرية وعميقة وجادة, تعيد لنا فهم الآخر والتعرف عليه, واكتشافه بصورة مختلفة, عن تلك الصورة النمطية المتوارثة والملتبسة.
المحور الثاني: هل باتت مقومات تشكيل هذه الرؤية بكل أبعادها العقدية والثقافية والاجتماعية متوفرة الآن أم ما زال هناك عوائق وعقبات ستجعل هذه الرؤية ناقصة وغير كافية؟
اعتقد أننا اليوم في أفضل فرصنا لتشكيل رؤية جديدة تعيد الآخر إلينا, وتعيد ذاتنا إلى الآخر, وذلك بعد أن أصبح العالم كله ينظر إلينا نتيجة أحداث الحادي عشر من سبتمبر.
وعلينا أن نعلم أن الآخر ليس شراً محضاً, ونحن لسنا خيراً محضاً. بهذا المعيار ينبغي أن ننظر إلى الآخر ونتعامل معه, وننظر لأنفسنا ونتعامل معها. ولا يجوز أن نزكي أنفسنا وقد نهانا القرآن الكريم عن ذلك في قوله تعالى (فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى) ـ النجم:32ـ ودعانا من جهة أخرى إلى التعارف على مستوى الناس كافة شعوباً وقبائل (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا) ـ الحجرات:13ـ لهذا ينبغي أن نتخلى عن الطريقة التي ننظر بها لأنفسنا حين نبالغ في تزكيتها, وفي الطريقة التي ننظر بها إلى الآخر حين نبالغ في تجريحه.
المحور الثالث: وما المواجهات التي يجب أن نسترشد بها في صياغة رؤيتنا للآخر وتعاملنا معه, وكيف يمكن ترسيخ عصرية لعلاقتنا بالآخر في بيئة ما زالت رافضة أو متحفظة على هذه العلاقة؟
لا بد من إدراك إن الخطاب الذي يلغي الآخر ليس باستطاعته أن يبني وحدة وطنية, ويشكل نسيجاً مجتمعياً متماسكاً, أو يصنع أمة متمدنة, ومتفاعلة مع العالم, مندمجة في المجتمع الدولي, مواكبة لروح العصر, ومتواصلة مع المعرفة الإنسانية. ولا يمكن تجاوز المحنة التي أصابتنا إلا بالتحول والانتقال من حالة الأحادية إلى حالة التعددية, من الأحادية التي لا تتيح مجالا للآخر, ولا تتواصل معه, فهذه الأحادية هي التي كرست الجمود والانغلاق, وكانت سبباً للاحتقان والتأزم الذي أصابنا, فلابد من التحول من هذه الأحادية إلى التعددية, التي فيها تجليات الثراء والتجدد والإبداع, وفيها أيضاً اكتشاف الآخر والتعرف عليه.
(نشرت هذه المناقشة في العدد 1886, السبت 15 ذو القعدة 1426هـ الموافق 17 ديسمبر 2005م)