12 ـ 3 ـ 2006

مناقشة لكتاب (نحن والعالم)

نشرت الكاتبة الجزائرية خيرة طهيري في صحيفة الغد الأردنية, مناقشة لكتاب الأستاذ زكي الميلاد (نحن والعالم), ولكون الكتاب كما تقول الكاتبة يثير العديد من الإشكاليات تتمثل أبرزها في الرؤية إلى الآخر, ولإثراء هذا الموضوع أجرت الكاتبة حوارات حول موضوعات الكتاب مع مؤلف الكتاب, ومع الدكتور جلال الفاخوري من الأردن, ومع ألان غريش رئيس تحرير جريدة العالم الدبلوماسي الفرنسية. وهذا هو نص المناقشة:


يريد زكي الميلاد مؤلف كتاب “نحن والعالم”، الكشف عن تعدد واختلاف منظورات الرؤية إلى العالم، وعلاقة ذلك بمختلف المقولات التي أنتجتها حقبة زمنية من الأحداث، بدءا من العولمة، إلى صدام الحضارات، وحوار الحضارات، مرورا بضرورة أن يغير الغرب رؤيته للآخرين ويتخلى عن ذهنية المركز والأطراف، ومنطق السيطرة والتبعية، والالتفات إلى أزماته ومشكلاته، وأخيرا الحاجة إلى إصلاح الرؤية للعالم.


يثير هذا الكتاب العديد من الإشكاليات تتمثل أبرزها بازدواجية الرؤية إلى الآخر، وباعتبار أن الرؤية الأوروبية تختلف تماما عن الرؤية الأمريكية، كما يحاول بيان المواقف التي يمكن تسجيلها والتي تدل على السير نحو الانفتاح وتجديد رؤيتنا للعالم. كما يبحث في مدى تقبل فكرة حوار الحضارات والسعي إلى تحقيقها، في مقابل مقولة هنتنغتون “صدام الحضارات”  إلى جانب أفكار أخرى.


ولإثراء هذا الموضوع أجرت جريدة الغد حوارات مع كل من زكي الميلاد مؤلف الكتاب، ود.جلال الفاخوري الحائز على دكتوراه في فلسفة الفكر السياسي المعاصر من جامعة لندن، والكاتب الفرنسي ألان غريش رئيس تحرير جريد العالم الدبلوماسي الفرنسية.


منظورات في الرؤية إلى العالم


يطرح الكاتب عدة رؤى إلى العالم وهي كالتالي: رؤية العالم من منظور الصدام، ورؤية العالم من منطق الأصوليات، والإرهاب وتغيير الرؤية إلى العالم، وازدواجية رؤية العالم في الغرب، وأخيرا منظور تغير العالم في نظر الناس.


ويثير موضوع رؤية العالم من منظور الصدام التساؤل الآتي: هل فعلا هناك  صدام الحضارات؟ وهنا يجيبنا الدكتور جلال الفاخوري بالقول:” لا وجود لصراع حضارات، والأصح أنه يوجد تنافس ما بين الحضارات، إذ أصبحت الحضارة العربية الإسلامية خاصة تشكل خطرا على العالم الغربي، لأن المصالح الغربية لا يمكن أن تتحقق وأن تحافظ عليها الدول الغربية إلا من خلال تمسكها بالعلمانية، وفي حين أن العرب والمسلمين تتحقق مصالحهم بتمسكهم بدينهم، فإن ما يمكن قوله أن هذا ليس صراع حضارات بل هو صراع أخلاق وأدبيات في كيفية فهم الحياة”.


أما دعوة حوار الحضارات فهي فكرة تستهدف البحث عن المشتركات العامة والجوهرية والحية بين الحضارات  في الحقول والمجالات المختلفة والمتعددة، فكل حضارة لها عبقريتها وخصائصها، وهذا بخلاف الرؤية التي تنطلق منها مقولة صدام الحضارات التي تتضمن تحريضا للغرب على مقاومة انبعاث الحضارات وتجددها، فهل هذا يعني أن الغرب ليس على استعداد للحوار، يجيبنا مؤلف نحن والعالم زكي الميلاد  بما يلي: “إن الإشكالية هنا تتحدد من جهتين: من جهة الغرب الذي يرى في الطرف الإسلامي طرفا غير متكافئ معه في الحوار، وفي نظرة الغرب إلى ذاته، النظرة التي تتصف بالتعالي وبالتفوق وبامتلاك مفاتيح الحداثة والتقدم والتمدن، وفي جهة الطرف الإسلامي الذي يعاني الانقسام، والضعف والتأخر الحضاري، علاقتنا بالغرب ينبغي أن تتحدد على أساس أننا نريد بناء مدنيتنا بعيدا عن استلاب الغرب لنا”، وهنا يؤكد الدكتور جلال الفاخوري بقوله:” إن الأمر لا يتعلق فقط بتقديم تنازلات بل سيكون مشروطا بسيطرة الطرف الأقوى، إذا قبل أصلا الحوار مع الآخر، بسبب نظرته الفوقية له”.


الغرب والآخر


 ساهمت الدراسات الفكرية والسياسية والأنثروبولوجية الغربية بشكل كبير في تكوين رؤية الغرب للعالم، وهذه الرؤية هندست بدورها الأنظمة السلوكية للغرب في علاقاته وتعاملاته مع الآخرين من خارج ثقافته وحضارته، وربما هذا ما يوضح مرجع النزعة التصادمية، وأن الوجود الإسلامي في أوروبا بات في دائرة الاستهداف والتآمر اليهودي، مما تقدم ألا يمكن اعتبار أن النزعة التصادمية هي أحادية الجانب، أي نظرة الآخر لنا هي التي تسبب صدام الحضارات؟ يجيبنا  الباحث والمفكر الفرنسي المعروف آلان غريش بقوله:” أنا لا أرى بأن النظرة التصادمية أحادية الجانب والدليل على ذلك العمليات الإرهابية التي نسمع عنها كل يوم والتي تركت بصمات على الواقع والتي تؤكد أن هذا الصراع متبادل من الطرفين ولكليهما دور فيه، وقد أشار إلى تصريح بن لادن الأخير كدليل على ذلك”، إذن هل يعني ذلك أنه لا فرصة لحوار الحضارات؟ يجيب غريش بقوله:” مشروع حوار الحضارات ليس مشروعا فاشلا، لكن المشكل يتمثل في كيفية تجسيده على أرض الواقع وكيفية التعامل مع هذا الموضوع، وألا يبقى حبرا على ورق، مثلا أن يكون على مستوى المجتمع المدني وأن يسعى الأشخاص العاديون في تحقيقه، فالكل معني بذلك، بالإضافة إلى انه يجب أن يكون هناك تحالف سياسي دولي، وأن تكون هناك حرب مشتركة ضد بعض السياسات الظالمة، مثال ذلك العراق، وذلك من أجل القضاء على الظلم والجرائم ضد الإنسانية، إلى غير ذلك من الانتهاكات”.


الغرب والهوية


 طُرحت عدة تساؤلات عن مدى احتياج الغرب إلى هوية، ودخلت بدورها إلى مجال التداول الفكري والسياسي بأمريكا، فهناك من يرى أن انهيار الاتحاد السوفيتي هو النذير الوحيد لانهيار الليبرالية الغربية، وستكون هي التالية للسقوط، وكأن الوحدة مرهونة بوجود العدو المشترك!. وتبعا لذلك ظهرت مقولات من نمط البحث عن عدو جديد، وصدام الحضارات، والشرق في مواجهة الغرب إلى غير ذلك. ويبدو أن الحديث عن الهوية في أوروبا تأثر بعاملين، العامل الأول: إمكانية  تزايد الهجرة البشرية القانونية وغير القانونية إلى دول الاتحاد الأوروبي، وتأثيرات الهجرة على الطبيعة الديمغرافية والثقافية الأوروبية.


أما العامل الثاني فيتعلق بتزايد التنوع العرقي والثقافي وانضمام هذه الدول الجديدة، ومدى إمكانية استيعاب هذا التنوع.


لكن، هل يمكن اعتبار ما تقدم ذكره عائقا لحوار الحضارات؟  هذا السؤال توجهت به إلى آلان غريش والذي أجاب بـ” ليس هناك اختلاف ثقافي أصلا في المجتمعات الغربية وعلى مستوى المجتمع الفرنسي بالخصوص، ذلك أن كل أفراده (المهاجرين) مثلهم مثل الفرنسيين يعيشون نفس النمط من المعيشة، يلبسون بنفس الطريقة، ويتفرجون على الأفلام نفسها، أما اختلاف الدين على وجه الخصوص فلا يؤدي حتما إلى الاختلاف الثقافي ولا مجال لذكره في اختلاف الثقافات، فالدين شيء والثقافة شيء آخر”، وقد ربط هذه المسألة بالاندماج حيث يقول: “أن الكثير من المهاجرين استطاعوا أن يثبتوا وجودهم في المجتمع الفرنسي والاندماج فيه رغم الاختلاف الديني”.


إصلاح الرؤية إلى العالم


في هذا السياق ناقشت زكي الميلاد – مؤلف الكتاب- فيما إذا كنا بحاجة إلى رؤية جديدة للعالم فقال: أن البحث عن منظور جديد للعلاقات الدولية ينطلق من مفاهيم  العدالة والمساواة والكرامة والحقوق، وتدفع بالعالم نحو عبور الانقسام وهي دعوة حسنة في ذاتها، إضافة إلى ذلك بناء الثقة، إذ يعتبر ذلك ذا فعالية بما كان في التقدم والنهوض وبناء الأوطان وعمرانها، وفي خلق الاندماج الوطني، والتضامن الاجتماعي، والتطور الاقتصادي من خلال برامج وإنجازات وإرادة حقيقية وليس مجرد أقوال، ويضيف على غرار غيره من المفكرين مقولة جديرة بالتداول وتجسيدها على أرض الواقع وهي:” التضامن من أجل أخلاقيات عالمية جديدة”، لأن مكافحة الإرهاب سيكون لها تأثيرات وتداعيات ومضاعفات سلبية على الأبعاد الأخلاقية والإنسانية، كتنامي حالات التمييز بصورة عامة، وإشاعة الكراهية، وانتهاكات لحقوق وكرامة الإنسان، وتقليص الحريات العامة، وتهديد السلم الاجتماعي، وسيادة أجواء الخوف والرعب بين الناس.


ولتعزيز هذه المقولة في النطاق العالمي يؤكد الميلاد انه ينبغي الاستناد إلى تقرير اللجنة العالمية للثقافة والتنمية الصادر سنة 1995 بعنوان” تنوعنا الخلاق”، الذي أوصى بضرورة الحاجة إلى أخلاق عالمية تحكم السلوك الدولي، والتحدي الذي يواجهنا يقول الكاتب هو: “كيف نقتنع نحن والعالم بالحاجة الحقيقية إلى أخلاقيات عالمية جديدة نتضامن من أجلها في مقابل الحملة العالمية لمكافحة الإرهاب”.


ـ نشرت المناقشة يوم السبت 11 مارس 2006م, في زاوية دين وحضارة ـ

زر الذهاب إلى الأعلى