10 ـ 7 ـ 2010

مراجعة لكتاب (هل المثقفون في أزمة) في صحيفة المستقبل

نشرت صحيفة (المستقبل) اليومية الصادرة في بيروت, مراجعة لكتاب الأستاذ زكي الميلاد (هل المثقفون في أزمة), أعد هذه المراجعة الكاتب اللبناني وفيق غريزي, وحملت عنوان (نحو ثقافة تذهب إلى أبعد من نقد المثقفين), نشرت هذه المراجعة بتاريخ الأحد 27 يونيو ـ حزيرانـ 2010م, العدد 3694.


وهذا هو نص المراجعة:


         نحو ثقافة تذهب إلى أبعد من نقد المثقفين 


وفيق غريزي


في نطاق الحديث عن المثقفين، وفي إطار شبكة علاقتهم بالمعرفة والمجتمع والقيم والسلطة، يقترب هذا الكتاب ويتناول العديد من القضايا والمسائل التي يتصل بها هؤلاء المثقفون دائماً.


من هذه القضايا والمسائل، تبرز قضايا التنوير والنهضة والعقلانية والحداثة والمعرفة والدين، إلى البحث عن قضايا أخرى مثل الاهتمام بالحديث عن البدئيات والنهايات. كما يقترب الكتاب من بعض المراجعات التي انخرط فيها مثقفون كبار، لينتهي بمحاولات البعض لتصحيح صورة المثقف التي تعرضت لتشوه واهتزاز عند المثقف نفسه قبل غيره.


 


المثقفون ومحنة التنوير العربي


الفكر العربي المعاصر في أزمة حائرة مع ذاته. فتجربته مع التنوير تحولت كما وصفتها الأدبيات العربية نفسها إلى نكسة وأزمة، وانتهت إلى محنة. تجربة طويلة ومريرة مضى عليها ما يزيد على قرن من الزمان… منذ أن تعرف الفكر العربي على خطاب التنوير الأوروبي، الذي يؤرخ له حسب الكثير من الكتابات العربية الفكرية، والتاريخية، مع حملة نابليون بونابرت على مصر سنة 1798، الحدث الذي اكتشف فيه العرب، ما وصف في تلك الكتابات بصدمة الغرب، أو صدمة الحضارة، أو صدمة الحداثة. ومنه انطلقت تجربة النهضة والتنوير في المنطقة العربية، مستلهمة خطاب التنوير الأوروبي، الذي أصبح القاعدة المرجعية لفكر التنوير العربي.


يؤكد المؤلف أن الفكر العربي وضع كل آماله وتطلعاته في إنجاز مشروع التنوير على خلفية الارتباط والاقتباس من الفكر الأوروبي، بمصادره ومذاهبه واتجاهاته المختلفة، الارتباط الذي يصل إلى درجة التماهي والمغالاة، كما ظهر ذلك في كتابات فرح أنطون، الذي دعا إلى مجاراة تيار التمدن الأوروبي الجديد، وإلا جرفهم هذا التيار جميعاً، وجعلهم حسب رأيه مسخرين لغيرهم. وكما ظهر أيضاً “في كتابات سلامة موسى الذي يرى أن علة الأقطار العربية ورأس بلواها، أننا ما زلنا نعتقد أن هناك مدنية غير المدنية الأوروبية”.


الحقيقة التي لا يكاد يختلف حولها المثقفون والمفكرون أن خطاب التنوير في المجال العربي يعاني من أزمة


 حقيقية. وعند العودة إلى الكتابات العربية المعاصرة نجد هناك العديد من التفسيرات والتصويرات التي تشابه أحياناً، وتتباين أحياناً أخرى، لهذه الأزمة. فحين يصور الباحث المصري جلال أمين هذه الأزمة بقوله: “إن قصة التنوير في بلادنا تبدو قصة محزنة للغاية، إذ باسم الشعارات النبيلة تم الإخضاع التدريجي لأمة نبيلة، وذلك عن طريق دس السم في العسل”. وفي رأيه ليس هناك طريق للخلاص إلا بتخليص مفهوم التنوير مما دس فيه، وإعطائه المضامين التي تتفتق عنها أذهاننا.


ونجد في تصوير علي حرب في كتابه “أوهام النخبة أو نقد المثقف” أنه يرى أن المثقف بات أعجز من أن يقوم بتنوير الناس، إذ هو يحتاج إلى التنوير بعدما تعامل مع فكرة التنوير بصورة غير تنويرية.


 


البحث عن العقلانية


من المفارقات اللافتة والمؤثرة عند الحديث عن مسألة العقلانية في المجال الفكري العربي، ما حصل عند بعض النخب الفكرية من باحثين وأكاديميين وكتّاب من ارتباط بمنابع العقلانية في الغرب والثقافة الأوروبية من جهة، وانقطاع من جهة أخرى عن منابع العقلانية في الإسلام والثقافة الإسلامية.


ويقول المؤلف: “عند تفكيك هذه المفارقة تتكشف ثلاثة مواقف متباينة بعض الشيء وبصورة طفيفة، لكنها متقاربة ومتناغمة في بنيتها وجوهرها”. وهذه المواقف الثلاثة هي: أولاً: هناك من يرى أن العقلانية ومنابعها سمة خاصة بالغرب، وتتفرد بها الثقافة الأوروبية.


ثانياً: هناك من يرى أن شعلة العقلانية في الثقافة العربية والإسلامية انطفأت بعد عصور التراجع والجمود التي مرت على الأمة العربية والعالم الإسلامي وفعلت فعلها، وبالذات في ميادين العلم والمعرفة والفكر التي هي روافد ومنابع العقلانية.


ثالثاً: من يرى أن العقلانية وجدت في الثقافة الإسلامية، لكن هذه العقلانية وصلت إلى ذروتها في الثقافة الأوروبية. وإن من يسعى إلى العقلانية عليه أن يتواصل مع ذروتها. ولكن لا يسلّم المؤلف بهذه المواقف من دون نقاش، ولا تصلح “إلا لمن يريد أن يقطع الطريق على البحث عن العقلانية في الإسلام والتراث الإسلامي، والثقافة الإسلامية”.


 


البحث عن الحداثة


الأوصاف التي أطلقها الكتاب والمثقفون على نعي الحداثة وذمها في المجال العربي تصلح لأن تكون مادة لصناعة قاموس عربي عن الحداثة. فقد تكاثرت هذه الأوصاف وتنوعت بصورة باتت تلفت الانتباه لمن يتوقف عندها، وما زالت تحافظ على وتيرتها المتكاثرة والمتنوعة.


يقول المؤلف أن “البعض وصف الحداثة بالحداثة المعطوبة، ومن هذا البعض الدكتور برهان غليون في كتابه “مجتمع النخبة” والكاتب الجزائري عمار بلحسن وهناك من وصف الحداثة بالحداثة المعاقة، ومن هذا البعض الكاتب المغربي بنسالم حميش.


 


المثقف والبحث عن الدور


لقد وجد المؤلف أن ألمع صورة للمثقف، هي التي حاول تشكيلها ادوارد سعيد في كتابه (صور المثقف). ومن ملامح صورة المثقف عند سعيد الذي يقول: “لا شيء في نظري يستحق التوبيخ أكثر من تلك الطباع الذهنية للمثقف، التي تغري بتجنب المخاطر، أي الابتعاد عن موقف صعب ومبدئي تدرك انه الصحيح، ولكنك تقرر ألا تتخذه”.


إن هذه الطباع الذهنية هي العامل الأبرز لإفساد المثقف. لذلك يقول المؤلف: “إن المثقف العربي يمثل فعل الغائب والجامد والساكن، وليس فعل الحاضر والفاعل والمتحرك، وأكثر ما تتجلى لنا هذه الصورة في ظروف الأزمات، ولا نلتفت إليها إلا في حالات المحن، وإذا حلّت بنا الكوارث واشتدت المخاطر”.


ولقد أسرفت الأدبيات العربية في الحديث عن دور المثقف، وتحولت إلى مقولة لا يتوقف الكلام فيها وعنها. إن المثقف حين يتمسك بالحديث عن دوره، إنما يريد تجديد هذا الدور وتطويره وتحريكه والإضافة عليه، وتكييفه مع الأحوال والأزمنة المتغيّرة والمتبدلة، وأمام القضايا والموضوعات المتجددة.


ويؤكد المؤلف: إن المثقفين ظلوا يتعرضون إلى تساؤلات حرجة للغاية، تحاول أن تشكك في دورهم، أو تستثيرهم وتحرك فيهم نزعة النقد.


 


المثقف في صورة المثقف


إن أشد نقد يتعرض إليه المثقف اليوم في العالم العربي، هو من المثقف نفسه، وهذا ما يدركه المثقف أكثر من غيره، إلى درجة يمكن القول إن ليس هناك مثقف، لا يضمر نقداً، بل لم يعلن نقداً صريحاً ومباشراً للمثقف.


ويعتقد المؤلف بأن نقد المثقف هو أكثر ما يتجلى في الكتابات العربية المعاصرة التي تحدثت عن المثقف وتطرقت إليه بشكل من الأشكال، ويكاد هذا النقد يمتد إلى كل ما يتصل به المثقف من علائق ووظائف وأبعاد، بحيث لا نجد هامشاً أو زاوية لم يصل إليها النقد، من المثقف نفسه، قبل غيره، وكأن الأصل هو نقد المثقف في كل شيء، حتى بات هذا النقد أسهل شيء عند المثقف، من ناحية تصوره، والقيام به، والإشارة إليه، والتفنن في الحديث عنه.


ففي المجال الفكري هناك نقد للمثقف من جهة علاقته بالمعرفة، وهي العلاقة التي طالما كان المثقف شكاكاً في النظر إليها. فليس معروفاً عن المثقف انه شديد التعلق بالمعرفة والإخلاص لها، والتفاني من أجلها، والعشق في طلبها، والصبر والثياب في الدفاع عنها.


ومن أبرز المثقفين العرب الذين وجهوا نقدهم للمثقف: إدوارد سعيد، محمد عابد الجابري، علي حرب، وعبد الإله بلقزيز.



[“هل المثقفون في أزمة”؟


[ زكي الميلاد


[ الانتشار العربي ـ بيروت, 2010

زر الذهاب إلى الأعلى