في معنى المثقف الديني

نشر الكاتب السعودي المعروف الأستاذ أحمد عايل فقيهي مقالة ناقش فيها أطروحة الأستاذ زكي الميلاد, في كتابه (محنة المثقف الديني مع العصر), نشرها في صحيفة عكاظ السعودية, هذا نصها:
في معنى المثقف الديني
تقوم أطروحة الأستاذ زكي الميلاد عن المثقف الديني, على ثنائية هامة هي تلاقي الدين بالثقافة, بوصفها القضية المحورية التي عمل كتابتها, واشتغل على تعميقها في كتابه (محنة المثقف الديني مع العصر). وهي أطروحة ربما – على حد علمي- جديدة وغير مطروقة في الخطاب الفكري العربي بخاصة, وفي الثقافة العربية في عمومها. ولأن مفهوم المثقف, مفهوم غائم وملتبس, ولم تتحدد ماهيته ووصفيته بالرغم من الكتابات الكثيرة, والمداخلات الأكثر حول معنى المثقف ودوره.
لكن زكي الميلاد يبحث وعبر سياق تاريخي واجتماعي وسياسي, عن علاقة المثقف بمحيطه ومجتمعه وأمته, ويتخذ من محور الدين مدخلاً لحوار عميق ومضيء حول ما هو ديني وثقافي. ويطرح الميلاد سؤالاً محوريا هاماً هو: هل الثقافة في معناها العميق تمنعك من أن تكون متديناً؟ وهل الدين يمنعك من أن تكون مثقفاً؟. ولكن هل أجاب الميلاد على هذا السؤال.
وتأسيساً على ذلك يحاول أن يبحث الميلاد في معنى المثقف عند مجموعة من الباحثين والمفكرين, من إدوارد سعيد وعلي حرب وهشام شرابي وبرهان غليون والجابري الذين خاضوا وجادلوا في هذا المعنى, ومن ثم الدور الذي ينبغي أن يقوم به المثقف ارتباطاً بالمعنى. ولأن المسألة الدينية تشكل هاجس فكر وثقافة الميلاد فإن ما أسماه بالمثقف الديني يعني تعارضاً مع ما طرحه بعض الذين يرون أن الدين هو نقيض البعد الإنساني للثقافة, وهو نقيض يدل على جهل فادح وعلى خلل ذهني, وعلى تجريد المعرفة من جذرها الروحي والتاريخي, ولا تخلو المعرفة من بعدها الحضاري المرتبط جذرياً بالبعد الديني. وأن هناك علاقة عميقة ما بين الدين والثقافة, والقرآن الكريم ترتفع فيه اللغة إلى مستويات عليا.
ما أود أن أصل إليه هو أن كتاب (محنة المثقف الديني مع العصر) كتاب إشكالي, وهو كتاب يتجدد بتجدد أفكاره وقضيته المحورية القائمة على علاقة الدين بالعصر. وكان ينبغي البحث في نشوء حالة التوتر ما بين ما هو ديني وسياسي, وكأن هناك حالة خصومة ما بين الدين والثقافة, وطغيان الإيديولوجية على المعرفة في مفهومها الخالص, وكل ما يجعل علاقة الدين بالثقافة, علاقة هامة وجوهرية, هو أنها تتعلق بالهوية القومية والوطنية في آن. لذلك فإن القضية مفتوحة وقابلة للكتابة وللحوار.
ولأن الدين يدخل عميقاً في حياتنا ولا يمكن تجاهل أو إغفال هذه المسألة على الإطلاق, أو فصل العقل عن الروح البتة, وبالتالي فصل الدين عن الثقافة. ولكن كيف يمكن النظر إلى الدين كمعطى حضاري وسلوكي وأخلاقي ومن ثم فهم الدين بذاكرة واعية لا ذاكرة عمياء.
وأخيراً أن علاقة الدين بالثقافة, هي من العمق ما يجعلها عصية على الفصل, ومن هنا فكلما ازداد الإنسان علماً اقترب من حدود الحقيقة, ومن حالة اليقين, وكلما ابتعد عن الحقيقة واليقين ابتعد عن فهم نفسه وعن فهم الآخرين وعن الوعي بالعالم.
ـ عكاظ ـالأحد 29 ربيع الأول 1426هـ / 8 مايو 2005م, العدد 14134ـ