تقرير باللغة الفارسية عن نظرية تعارف الحضارات

نشرت وكالة أنباء مهر الإيرانية باللغة الفارسية, تقريرين أحدهما مفصلاً, والثاني تقريراً خبرياً موجزاً عن نظرية تعارف الحضارات التي طرحها وتحدث عنها الأستاذ زكي الميلاد, وشرح التقرير المفصل طبيعة هذه النظرية ومنابعها وحكمتها, وبعض خلفياتها, في سياق مقارنتها ومقاربتها بنظريتي حوار الحضارات, وصدام الحضارات.
أعد التقرير مراسل قسم الدين والفكر في وكالة أنباء مهر, وهذا هو نص التقرير المفصل:
من وجهة نظر أحد المفكّرين العرب:
حوار الحضارات هو السبيل الوحيد لمعرفة عالمنا المعقّد
يعتقد زكي الميلاد ـ العالم والمفكّر السعودي العاكف منذ مدّة طويلة على دراسة مقولات: صدام الحضارات, وحوار الحضارات, وتعارف الحضارات ـ أنّ حوار الحضارات هو السبيل الوحيد لمعرفة عالمنا المتداخل والمتشابك.
وبحسب ما أفاد مراسل قسم الدين والفكر في وكالة أنباء مهر، فإن الأستاذ زكي الميلاد بصدد طرح مقولة ثالثة ـ بعد مقولتي: صدام الحضارات وحوار الحضارات ـ وهي نظرية تعارف الحضارات، استناداً إلى الآيات القرآنية.
ويعتقد الأستاذ زكي الميلاد أن نظرية صدام الحضارات التي دافع عنها هنتنغتون، هي نظرية تفسيرية, أو هكذا أراد أن يصورها هنتنغتون لكي يدافع عنها, ويقطع على الآخرين شكوكهم وشبهاتهم.
فقد أراد هنتنجتون كما يدعي أن يقدم نظرية كلية يربط من خلالها، ويفسر بواسطتها
الأحداث والوقائع والنزاعات المتناثرة والمفككة والمتفرقة بين جغرافيات العالم، والتي
لها طبيعة النزاعات والصدامات والحروب المشتعلة والمتفجرة منذ زمن طويل،
وترجع لأسباب وخلفيات دينية وعقائدية وثقافية، كالنزاع الطويل بين الهند وباكستان،
أو النزاع بين تركيا واليونان حول جزيرة قبرص.
لذلك فإن هذه النظرية تنتمي إلى المجال السياسي وتتحدد به. وأن هنتنجتون تعامل مع الثقافة أو الحضارة من خلال معايير وتقنيات ومنهجيات علم السياسة، وهو مجال اختصاصه الأكاديمي والمهني والوظيفي.
ويرى الميلاد أن مشكلة في هذه النظرية هي أنها لم تقف عند حدود الأبعاد التفسيرية كما أراد أن يصور ذلك هنتنجتون، وإنما تجاوزت ذلك إلى أبعاد إنشائية وتحريضية، حيث كانت تصور دائماً وكأنها تحذر الغرب من صدام مع بقية الحضارات غير الأوربية.
وحول مقولة حوار الحضارات يقول زكي الميلاد: فهي نظرية أراد منها غارودي أن
تكون خطاباً نقدياً وعلاجياً لأزمة الغرب الحضارية – كما يصفها – ولأنماط علاقاته
بالعالم والحضارات غير الأوربية. كما أراد منها أيضاً أن تكون خطاباً موجهاً إلى
الغرب بصورة أساسية. لذلك فهي تنتمي وتصنف على النظريات الغربية التي تنطلق
من نقد التجربة الغربية والفكر الغربي. ومن حيث نسقها المعرفي فهي تنتمي إلى
المجال الثقافي وتتحدد به لأنها تركز على الأبعاد الثقافية والفكرية والأخلاقية.
ويعتقد الميلاد أن حوار الحضارات: في رؤية السيد محمد خاتمي فقد جاءت استجابة
لبعض المعطيات والضرورات السياسية في الدرجة الأولى، ومن أجل أن تكون خطاباً
نقدياً بديلاً لخطاب صدام الحضارات. وقد ظلت تتحدد في هذا النطاق ولم تتحول إلى نظرية واضحة ومتماسكة، وما زال العالم العربي والإسلامي يفتقد إلى نظرية تعبرعن
رؤيته في كيفية التقدم والتحضر، وعن أنماط علاقاته بالعالم.
ويلتفت الميلاد إلى أنّ صدام الحضارات هي نظرية تفسيرية، وحوار الحضارات هي نظرية نقدية أو علاجية، أمّا تعارف الحضارات هي نظرية بنائية, أي أنها تهدف إلى معرفة بُنية الحضارات وأساسياتها وقوائمها.
ويعتقد زكي الميلاد أن تعارف الحضارات مفهوم عام وكلّي وجامع يبيّن نهج العلاقة مع الناس، فيفسّر ذلك كلّه ويقيّمه على أساس الجذور والأصول والأعراق و..، ذلك أن هناك في الناس تنوّعاً لسانياً ودينياً ومذهبياً وتاريخياً وجغرافياً كبيراً.
ويذكر ـ مستنداً إلى استنباط نصوص القرآن ـ أنّ القرآن عندما يخاطب بـ (يا أيها الناس) فهو يطلق خطابه هذا لتمام الناس، أي لا يختصّ هذا الخطاب بملّة أو أمة أو قبيلة أو فرد معينين، إلا أنّ القرآن رغم إمكان وصوله إلى المفاهيم الكلّية العامة والجامعة يشير إلى وجود الأديان المختلفة والقبائل والملل والحضارات كذلك، حيث يمكن بالتمسّك بذلك كلّه وتحليله التوصّل إلى نظرية كاملة.
ومن وجهة نظر مقولة تعارف الحضارات، يمكن تحديد مستوى ودرجات الحوار وكذلك أشكاله وأنواعه، وهي أنواع ودرجات يمكن الوصول إليها عبر روابط، من قبيل التعاون والوفاء بالعهد وتبادل المعلومات وغير ذلك.
ويرى الأستاذ الميلاد أن تعارف الحضارات يحول دون صدامها؛ فلو كان لأقوام مثل المغول معرفة بحضارة الإسلام لم يكن ليقع منهم ما وقع من حملات وتخريب وسعي لإبادة حضارة الإسلام الغنية.
لقد بحث مطوّلاً في موضوعات مختلفة تتعلّق بتعارف الحضارات، فحوار الحضارات الذي يحتاج إلى دقة خاصة, لابد له من أن يرافق دوماً معرفتها والتعارف فيما بينها.
لقد قام باحثو التاريخ وعلم الاجتماع والثقافة والحضارة و.. بدراسات كثيرة، وقد بلغوا بدراساتهم وتوصلوا إلى أنه لابد من فهم أشكال وألوان العلاقة مع أيّ حضارة من الحضارات؛ ليتمّ ـ عبر ذلك ـ إنجاز مشروع حوار الحضارات.
وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، شرعت المجتمعات المختلفة بدراسة قضايا الإسلام، وافتتحوا برامج ومشاريع ترصد المجال الإسلامي وثقافته والتعرّف عليه، وكلّها برامج ومشاريع تستدعي بدورها تعارف الحضارات ونتاجاتها وفعلها.
ويرى الأستاذ زكي الميلاد أن تعارف الحضارات يفضي بنا ـ في الحقيقة ـ إلى اكتشاف واقعنا وذواتنا، ويدفعنا إلى الحفاظ على حضارتنا وتمدّننا وتطوّرنا وأصالتنا، ذلك أن عقلية تعارف الحضارات تلعب دوراً رئيساً ومهماً في انبعاث النهضة والوعي، وصناعة الجيل الجديد، وبناء الحضارات وعمرانها.
إن تعارف الحضارات ـ مع الأخذ بعين الاعتبار الميول الإنسانية ـ مثير ومحرّك وباعث، ذلك أنه يؤكّد على الوحدة الإنسانية، وهي ـ أي هذه الوحدة ـ هدفُ تمام الأمم والحضارات، من هنا لابد من الاهتمام بتطوير مشروع تعارف الحضارات، وإزالة تلك المسافات الطويلة الفاصلة بين الحضارات بوعي كامل.
إنّ تعارف الحضارات فكرٌ جديد لابد في إطاره من معرفة العالم المعقّد المليء بالأسرار والرموز، ومن الضروري السعي لإشاعة الإطار الرئيس لهذا الفكر.
إننا بحاجة إلى كشف أعماقنا الحضارية الفكرية والتاريخية والتراثية، ومن ناحية أخرى، يمكن للفقهاء أن يكون لهم دور جاد ومعتدّ به في هذا المضمار، وأن ينطلقوا على أساس النصوص القرآنية، ويواصلوا أبحاثهم ودراساتهم بالرجوع إلى تفسير الآيات القرآنية.