بعد تصريحات القرضاوي والرد عليها: التقريب بين السنة والشيعة.. إلى أين؟

تحت هذا العنوان نشر موقع إسلام أون لاين نت في القاهرة, مداخلة للأستاذ زكي الميلاد, نقلها عبر الهاتف من المصدر نفسه الأستاذ مصطفى عاشور, الذي اتصل مستوضحاً الرأي حول هذا الموضوع, وبهذه المناسبة نشر الموقع نفسه مقالة في هذا الشأن للأستاذ زكي الميلاد, حملت عنوان (دفاعاً عن فكرة التقريب في زمن المحنة), وهذا نص المداخلة:
أثارت موجة السجال الأخيرة بين الشيخ يوسف القرضاوي، رئيس اتحاد علماء المسلمين، وبين بعض الرموز والمرجعيات الشيعية السؤال مرة أخرى عن مصير عملية التقريب بين السنة والشيعة.
ففي حين يرى البعض أن الوقت أكثر ملاءمة الآن لإنجاز التقارب، مؤكدين أن ما جرى يجب أن يكون بداية أخرى لتقارب حقيقي يتحسس الحاجة لدوره الإيجابي، يرى آخرون أن الوعي بحقيقة الخلافات السياسية والمشروعات التي تتنازع المنطقة هي التي ستحدد جدوى هذا التقارب من عدمه.
وفي هذا الشأن يرى الكاتب والباحث زكي الميلاد، رئيس تحرير مجلة الكلمة، في تصريحه لـ”إسلام أون لاين.نت” أن: “البداية الحقيقية لمشروع التقريب السني الشيعي الآن؛ لأن الدفاع عن قضية التقريب يأتي في زمن المحن”.
ويوضح: “ما جرى يجب أن يكون بداية أخرى لتقارب حقيقي، ونعتبر أن ما جرى مجرد رياح وعواصف لا بد أن نتخطاها، وتكون تلك العواصف امتحانا لأنفسنا في أن نتجاوز ما نتعرض له من ضغوطات ومحن؛ لأن المستهدف هو الأمة”.
ويرى الميلاد أننا يجب ألا ندفع باتجاه الخصومة والانقسام والتفتيش في عقائد الآخرين، فهذه حالات خطرة يجب ألا تحاصرنا ذهنيا وفكريا، وأن نعمل على فك الحصار عن أنفسنا باتجاه مواقف أكثر إيجابية نحو الوحدة والتضامن والتآلف الإسلامي.
وعن الخلافات السنية الشيعية التي تقف عقبة أمام إنجاز مثل هذا التقارب يرى الميلاد أننا لسنا أمام مشكلة خلاف سني شيعي؛ لأن الخلاف كائن في التاريخ، وحقيقة المشكلة اليوم هي بين الاعتدال والتطرف، فهناك معتدلون سنة وشيعة وهناك متطرفون”.
ويلفت إلى أن “المشكلة تكمن في التطرف، فليست هناك مشكلة بين العقلاء، سنة وشيعة، والمشكلة بين الذين يتواصلون مع العالم والذين لا يتواصلون مع العالم”، موضحا أن “مشكلتنا تكمن في الوعي سواء أكان سنيا أو شيعيا، نحن بحاجة إلى المسلم الواعي والمنفتح والعقلاني”.
وركز الميلاد على ما أسماه “أزمة في الوعي التاريخي” عند كثير من الجانبين، حيث يرى أن تلك الأزمة تقف حائلا دون استحضار التاريخ بقراءة واعية، والاستفادة منها استفادة حية يتعزز من خلالها الوجود والمستقبل.
ولفت إلى أن “الوعي السياسي يتأسس على الوعي التاريخي، وهو ما يجعلنا نتخلص من ذهنية المؤامرة؛ لأن فهم حدود المؤامرة يجعلها لا تتحول إلى وهم يقزم الحقيقة أو يضخمها”.
وتوقع الميلاد أن “هذه الأزمة لن تدوم، ويجب أن نفكر فيما بعد الأزمة ونحضر أنفسنا لذلك ونؤسس لمرحلة اليقظة الإسلامية الجديدة مثلما حدث في الثمانينيات”، مشددا على أن تلك اليقظة يجب أن تتخطى الانقسامات السنية الشيعية، خاصة أن البعض يحاول أن يفتح ملفات الخلاف التاريخ في واقعنا المعاصر.
وحول تداعيات تصريحات الشيخ القرضاوي حول الشيعة يقول: في تقديري الآن هي البداية الحقيقية لمشروع التقريب السني الشيعي؛ لأن الدفاع عن قضية التقريب يأتي في زمن المحن، ولا أخفي أنني ممن صدموا بتصريحات فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي، خصوصا بعد تكرارها، وهذه الصدمة تمتد إلى النخب الفكرية الشيعية في العالم العربي.
وما كنت أتوقع ولا كنت أتمنى أيضا أن تصدر مثل هذه التصريحات من الشيخ القرضاوي، لاعتبارات كثيرة، منها أن تراثه الفكري لا يتناسب وصدور مثل هذه التصريحات، وهو التراث الذي كنا على تواصل ومتابعة له وباهتمام، كما أن الشيخ من أكثر العلماء وعيا بطبيعة التحديات والمحن التي تواجه الأمة في هذه المرحلة العصيبة، فمستوى الوعي الموجود عند الشيخ كان يفترض أن يشكل له حماية لتجنب مثل هذه المواقف التي تجرح بالتأكيد الذين هزموا إسرائيل شر هزيمة في لبنان، وقدموا للأمة أروع وأعظم وأشرف انتصار، كذلك كون الشيخ يتربع على مؤسسة “اتحاد علماء المسلمين” وهو اتحاد يمثل تنوعا للمذاهب الإسلامية وهذه التصريحات تسبب حرجا للآخرين.
كما أن الشيخ القرضاوي يقدم حاله بوصفه يمثل تيار الوسطية في العالمين العربي والإسلامي، وتيار الوسطية يفترض عليه أن يتجنب الوقوع في مثل هذه المنزلقات؛ لأنه التيار الذي يفترض أن يمتلك وعيا بطبيعة المشكلات والتحديات التي تتعرض لها الأمة، خصوصا أن مثل هذه النزاعات توظف من قبل الأعداء.
نشرت المقالة في زاوية ثقافة وفن يوم الأحد 21 سبتمبر 2008م, ونشرت المداخلة في الزاوية نفسها يوم الاثنين 22 سبتمبر 2008م.