15- 5- 2004م

الميلاد يقرأ التراث بمنتدى النمر الثقافي

       تحت هذا العنوان نشرت صحيفة اليوم تقريرا موسعا عن المحاضرة التي ألقاها الأستاذ زكي الميلاد في منتدى الشيخ حسن النمر. اعد التقرير الكاتب جعفر الجشي, وهذا هو نص التقرير.

       الدمام ـ جعفر الجشي

       بحضور حشد من الأكاديميين والأدباء والمثقفين استضاف منتدى النمر الثقافي الاثنين الماضي الباحث والكاتب زكي الميلاد وكان موضوع الندوة منهج قراءة التراث.

       بداية عرف الميلاد التراث قائلاً إنه لا يمكن الحسم بصورة نهائية في هذا الجانب, وأن هذه القضية سوف تكون حاضرة ومتجددة. ثم خصص الجانب الفكري والمعرفي لحديثه من خلال الابتعاد عن الجانبين التقني والفني, وتسليط الضوء على الجانبين المعرفي والنظري فقط للتعامل مع التراث كإشكالية معرفية ومنهجية.

       وأورد الباحث مجموعة من التعريفات لبعض المفكرين المعاصرين كالدكتور حسن حنفي وأوجزه بأنه: كل ما وصل إلينا من الماضي داخل الحضارة السائدة. ويوافقه أو يقاربه في ذلك تعريف الدكتور الجابري: أن التراث هو كل ما هو حاضر فينا أو معنا من الماضي القريب والبعيد. وأشار الميلاد إلى تعريفات مشابهة أخرى لا تبعد ولا تختلف كثيراً عن تعريف هؤلاء, وألمح إلى وجود آراء نقدية لهذا التعريف مبيناً الحاجة لمعرفتها الدقيقة والإلمام بما في هذه المفاهيم والقيود كماهية هذا الحضور المشار إليه في التعريف, أو وجود هذا التراث بالتأثير في النظم والتصورات الحاضرة واحتفاظه بعناصر الحركة وامتزاجه بها وهي التي تكونت تصوراتنا من خلالها. وإما الحضور الذي لا يحتفظ بخاصية الفعل والتأثير فلا ينطبق عليه هذا التعريف ولهذا يكون تعريف الجابري أكثر دقة من خلال قيد “حاضر فينا”.

       أما النقاش الثاني حول التعريف فانصب حول التراث الحاضر بغير إرادتنا أو التراث الذي استدعيناه من خلال المؤثرات الفاعلة فينا, ويتابع الميلاد قائلاً: بهذا يتضح أن التراث الحاضر يختلف من بيئة إلى أخرى, بل حتى في المجتمع الواحد من خلال التعدد البيئي أو الاختلاف الفكري والثقافي, وذلك مبني على طبيعة الطلب وظروف ذلك الاستدعاء.

       ثم أوضح الميلاد رأيه في تعريف التراث فقال أن كل ما له قابلية النقل والانتقال, وقد يتم ذلك بصور متعددة من جيل إلى جيل, أو من زمن إلى آخر, وتارة يكون النقل مادياً كنقل المال والأملاك من الميت إلى الأحياء وهذا هو المجال الأصلي لهذا الموضوع واستشهد على ذلك بالآية الكريمة (وتأكلون التراث أكلاً لما) ـ الفجر:19 ـ.

       وتارة يأتي هذا في المجال المعنوي كالجاه والحسب والنسب والشرف, وتارة يكون في الجانب الفكري والثقافي وهذا هو مدار الحديث هنا مشيراً إلى أن هذا ما يمكن أن ينقل من زمن إلى زمن آخر ويمتلك القابلية للانتقال من الماضي إلى الحاضر لاعتبارات وحاجات مرتبطة بالماضي ومقتضياته, أو خصوصية في التراث أو في ظروف استدعائه.

       ثم تحدث عن المنهج والحاجة لتحديد علاقة التراث بالنص والتاريخ, وذلك لاختلاط هذه المفاهيم, وكون منشأ هذا الالتباس هو ارتباط هذه المفاهيم إلى الماضي, في حين أنها تختلف كلياً من حيث المعنى والمصدر والماهية والمجال.

       وحيث أن التراث من هذه الناحية هو منجز إنساني, فهو نسبي ومتغير بمعنى أنه متصل بظرف معين يقبل الصواب والخطأ.

       أما النص فله خاصية الثبات في مقابل المتغير, فهو لكل زمان ومكان, وهو بهذه الكيفية يختلف عن التراث كثيراً, إذ أنه لا يقبل إلا الصواب, فهو يختلف عن التراث بالمعنى المذكور. أما التاريخ فمجاله الحوادث والأشخاص وتأريخ الوقائع, وبهذا يتضح أن التعامل مع التراث ليس تعاملاً مع الحوادث والوقائع.

       ثم تحدث الميلاد عن منهج التعامل مع التراث فأوضح اختزال جوهر المشكلة إذ أنها ليست في التراث بل يمكن تحديدها في المنهج الذي يستعمل للنظر والتعامل بواسطته مع التراث, وهذا ما يتضح من خلال من تعامل مع التراث من منطلق مادي كحسين مروة وغيره من الماديين.

       واستعرض في المحور الثاني من موضوعه ثلاث صور هي:

       1ـ الأدبيات العربية الإسلامية, فقال إنها في نظر الأخرين مستغرقة بالتراث ففرض هيمنته وسلطته عليها, مؤكداً أنها مشبعة بالتراث ولكنها غير معاصرة, وأشار من منطلق خاص إلى جمود بعض المدارس على تدريس المنطق الأرسطي مع ما استجد من تطورات وتحولات في هذا العلم, وهكذا في الفلسفة وغيرها في مجالات أخرى, فتمنى مقابل ذلك انخراط هذه المدارس في المعاصرة للتأثير في التحولات والتغيرات الحاصلة.

       2. الأدبيات العربية غير الإسلامية فبين أنها مشبعة بالحداثة وخالية من التراث, وذكر تجربة الدكتور زكي نجيب محمود وعملية التحول لديه واكتشافه التراث بعد مطالبته بالبتر والانفصال وأشار إلى كتابه عن هذا التحول بعنوان ( المعقول واللامعقول في تراثنا العربي).

       3. الأدبيات المشتركة, فقال أنها اكتشفت عدم قدرتها على التوافق مع القارئ والمتلقي, فظلت حبيسة الأفكار والمفاهيم والتصورات التي انتسبت إليها أيديولوجياً لتعطي لنفسها إمكانية التأثير والتغيير فعمدت إلى الرجوع إلى التراث, ولكي لا يكون توظيف التراث حكراً على الأدبيات الإسلامية, وعادوا لاستعادة الصلة مع الشارع أثر هزيمة عام 67 حيث سماها البعض معركة صراع تفسير الهزيمة, وهذا ما تحدث به جورج طرابيشي في كتاب ( المثقفون العرب والتراث ), فأشار إلى أمثلة تتعلق بهذا الأمر كأعمال فكرية في الساحة كالنزعة المادية في التراث لحسين مروة, وفلسفة ابن رشد للجابري, وعصر التنوير لأركون, والنزعة الثورية ولاهوت التحرير لحسن حنفي, ومن التراث إلى الثورة لطيب تيزيني. ثم تحول الميلاد في نهاية محاضرته إلى نقد الحالة القائمة بعدم مقدرتها على تقديم منجز أفضل مما هو منجز في التراث فعلا لإعادة صياغة العلاقة مع التراث من جديد.

       * نشر هذا التقرير بتاريخ السبت 5 / 3 / 1425هـ الموافق 24 / 4 / 2004م, العدد 11271

زر الذهاب إلى الأعلى