الرموز الفكرية في السعودية: لماذا تقدمت النخب الدينية على النخب الثقافية؟
فتحت مجلة المجلة السعودية الصادرة في لندن, ملفا مهما ناقشت فيه قضية الرموز الفكرية في السعودية, وذلك في إطار البحث عن إجابة لسؤال: لماذا تقدمت النخب الدينية على النخب الثقافية؟. شارك في مناقشة هذا الموضوع مجموعة من الكتاب والمفكرين والدعاة, ومن هؤلاء الأستاذ زكي الميلاد. وهذا نص المشاركة:
في تقديري المشكلة ليست في تضخم الرمز أو عدم وجوده, وحضوره الجماهيري وثقله المعنوي, وإنما في غياب المفكر الديني الذي يجمع بين المعرفة الدينية والمعرفة الحديثة, بين المعارف الدينية والمعارف التي تنتمي إلى العلوم الاجتماعية والإنسانية, بين علوم النقل وعلوم العقل, بين التراث والحداثة. الحالة السعودية بحاجة إلى دور المفكر الديني الذي ينهض بمهام تجديد الحالة الدينية والثقافية, وتجديد الخطاب الديني والثقافي, الذي يستطيع التواصل مع منطق العصر, ومع العالم بثقافاته ومعارفه المتعددة والمتنوعة, ومع الآخر المختلف بعيدا عن ذهنية الإلغاء والإقصاء, وتحريك التنوير الديني, سعيا وتطلعا للخروج من المأزق الذي وصلنا إليه في علاقتنا مع العالم, ومن المحنة التي أفرزت ذهنية التطرف والعنف والغلو. ولا شك أن المفكر الديني هو الأقدر على إنجاز مثل هذه المهام.
وحول إشكالية غياب القاعدة الجماهيرية للرمز الثقافي؟
هذا وجه آخر للمشكلة التي تتحدد في صورتين, في صورة رموز دينية غير مفكرة, ورموز مفكرة لكنها غير دينية. في الحالة السعودية هناك حالة دينية تتيح اكبر الفرص, وأوسع الإمكانيات لبروز وصعود الرمز الديني. وهذه الملاحظة شديدة الوضوح والإدراك. في المقابل لا توجد حالة ثقافية تتيح الفرص والإمكانيات لبروز وصعود الرمز الثقافي.
والمفكرون من طبيعتهم لا يراهنون على التأثيرات السريعة والفورية والعاطفية, وإنما يراهنون على التأثيرات البعيدة والعميقة والعقلية. فالمعيار الحقيقي هو في القدرة على البقاء والوجود والثبات.
ونحن في هذه المرحلة بأمس الحاجة إلى دور وفاعلية الثقافة, وضرورة التخلق بها, وإعادة الاعتبار لها, واكتشاف قيمتها وحكمتها. فالثقافة هي جزء أساسي من التفكير في البحث عن حل لمأزقنا ومحنتنا. وبالتالي فنحن بحاجة إلى كسب المثقف, والتوقف عن الخطاب الذي يقلل من قيمة ومكانة واعتبارية المثقف, والتخلي عن منهجية المفاضلة بين الشيخ والمثقف.
– اعد الملف أسرة تحرير المجلة, ونشر في العدد 1314, 17ـ24 أبريل 2005م, الموافق 8ـ14 ربيع الأول 1426هـ