17 ـ 12 ـ 2005

الآخر.. ناظرا ومنظورا إليه

بمناسبة انعقاد اللقاء الوطني الخامس للحوار الفكري في المملكة العربية السعودية, حول موضوع نحن والآخر, فتحت صحيفة الحياة اللندنية نقاشا حول مفهوم الآخر, شارك فيه مجموعة من الباحثين والمتخصصين لمناقشته, ومن هؤلاء الأستاذ زكي الميلاد, وهذا هو نص مشاركته:


  إذا أردنا الخوض في مفهوم الآخر بصفته ناظرا ومنظورا إليه, فاننا أمام قراءة مزدوجة, قراءة نابعة من الذات, وقراءة نابعة من الآخر. بمعنى لا يكفي أن نحدد كيف ننظر إلى الآخر ونتعامل معه, بل لابد أن ندرك كيف ينظر الآخر إلينا ويتعامل معنا. فنظرتنا إلى الآخر تؤثر في طبيعة نظرة الآخر إلينا, كما أن نظرتنا إلى أنفسنا هي الأخرى تؤثر في طبيعة نظرة الآخر إلينا. وبقدر ما نحن بحاجة إلى تصحيح نظرة الآخر إلينا, بقدر ما نحن بحاجة أيضاً إلى تصحيح نظرتنا إلى الآخر. هذه هي القراءة الفعالة والمؤثرة في تصحيح العلاقة والصورة بين الذات والآخر, أما القراءة الأحادية, والتي تكون من طرف واحد, فإنها لا تستطيع أن تصل إلى ذلك الآخر وتؤثر في قراءته, وتبني جسور التعارف والتواصل معه.


وذلك لأننا جميعاً نمثل الذات في صورة, ونمثل الآخر في صورة أخرى, بهذه الطريقة ينبغي أن ننظر إلى الآخر, النظرة التي تستحضر الذات في مفهوم الآخر, ولا تجعل من الذات مفهوماً متعالياً أو فوقياً, أو يعطي الذات صفة التفاضل والتمايز, وحتى لا نقع في إشكالية الإلغاء أو الإقصاء أو الاستعداء. وهذا يعني أن الآخر ليس من نقول عنه هو أو هم, وإنما الآخر من نقول عنه أنا ونحن أيضاً, والغير الذي يأتي بمعنى الآخر يشملنا نحن وهم, فلا ينبغي أن نخرج أنفسنا من مفهوم الآخر, فنحن والجميع جزء من هذا المفهوم.


والمشكلة دائماً كانت وما تزال حينما نضع أنفسنا في منزلة الذات, وننزه أنفسنا من منزلة الآخر, وجميعنا معرض في أن يصاب بهذه الآفة, وقد نكون جميعاً وقعنا فيها بالفعل, ولا ينبغي أن نبرأ أنفسنا.


وعلينا أن نعلم كذلك, أن الآخر ليس شراً محضاً, ونحن لسنا خيراً محضاً. بهذا المعيار ينبغي أن ننظر إلى الآخر ونتعامل معه, وننظر لأنفسنا ونتعامل معها.


ـ نشرت هذه المداخلة يوم الثلاثاء 13 ديسمبر 2005م, 11 ذو القعدة 1426هـ / العدد 15595 ـ

زر الذهاب إلى الأعلى