الجمهورية، صنعاء، صحيفة يومية، الجمعة 4 جمادى الآخرة 1435هـ / 4 أبريل 2014م، ص8

المفكر الإسلامي زكي الميلاد لفكر (الجمهورية): التجديد في الفكر الإسلامي لا يمكن أن يتحقق بدون إعادة قراءة التراث


 




  •         أجر الحوار: عادل مداحش

زكي الميلاد مفكر سعودي لديه العشرات من المؤلفات القيمة في الفكر الإسلامي والمراجعات، وهو مستشار أكاديمي في المعهد العالمي للفكر الإسلامي في الولايات المتحدة الأمريكية، وعضو الجمعية العمومية للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية في إيران، وعضو المنتدى العالمي للوسطية في الأردن، وعضو اتحاد الكتاب العرب في سوريا، وعضو الجمعية التركية العربية للعلوم والثقافة والفنون في أنقرة تركيا، وعضو مجلس أمناء رابطة كتاب التجديد في الفكر الإسلامي، وعضو الهيئة الاستشارية لمشروع طباعة مختارات من التراث الإسلامي النهضوي الذي تشرف عليه مكتبة الإسكندرية في مصر.


 




  •         من وجهة نظركم ما هي أهم العوائق التي تقف في وجه تجديد الفكر الإسلامي؟

كنت قد عالجت هذه القضية، في كتابي (الإسلام والتجديد.. كيف يتجدد الفكر الإسلامي؟) الصادر سنة 2008م، وتحديدا في مبحث حمل عنوان (لماذا تأخرت مهمة تجديد الفكر الإسلامي؟)، ووجدت أن البحث في هذا السؤال، يحتاج إلى الكشف عن سياقات وأرضيات موضوعية وزمنية من جهة، وعن عوامل وأسباب منهجية ومعرفية من جهة أخرى، هي التي أعاقت أو أخرت أو جمدت عملية تجديد الفكر الإسلامي.


وعند البحث وجدت أن هذه السياقات والأسباب تحددت في النقاط الآتية:


أولا: ظاهرة القطيعة في الفكر الإسلامي بين مرحلتيه الحديثة والمعاصرة، المرحلة الحديثة ونقصد بها، المرحلة التي تنسب إلى ما سمي بعصر النهضة والإصلاح في النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي، مع انبعاث حركة الإصلاح الإسلامي بزعامة السيد جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده.


والمرحلة المعاصرة نقصد بها، المرحلة التي تنسب إلى النصف الثاني من القرن العشرين، والتي اختلفت كليا عن مسارات المرحلة الحديثة، وعبر عن هذه المرحلة مجموع الأعمال والكتابات الإسلامية الصادرة والمؤثرة خلال هذه الفترة.


والذي كشف عن القطيعة بين هاتين المرحلتين، ما ظهر بينهما من مفارقات كبيرة، كشفت عنها المقارنات الفكرية والمعرفية، التي أظهرت أن الفكر الإسلامي في مرحلته الحديثة، كان على درجة من التميز والتقدم، يفوق ما كان عليه في مرحلته المعاصرة.


وبتأثير هذه القطيعة لم يتمكن الفكر الإسلامي المعاصر، من البناء والاستفادة من التراكمات والخبرات الفكرية والثقافية، المهمة والناضجة التي تبلورت في المرحلة الحديثة، لكي يواصل وينجز عملية التجديد، علماً أن المرحلة الحديثة التي نقصدها هي أقرب المراحل إلى زمننا وعصرنا.


ثانيا: تأثير ظهور الدولة العربية القطرية في النصف الثاني من القرن العشرين، العامل الذي أسهم في تراجع الفكر الإسلامي وركوده، وذلك حين قطعت هذه الدولة صلتها الثقافية والمعنوية والمرجعية الشاملة بالإسلام والمنظومة الإسلامية، وارتبطت في المقابل بمرجعيات الفكر الأوروبي، التي أخذت منها كل ما يرتبط بتكوين الدولة، وتشكيل مؤسساتها، وصياغة أنظمتها وقوانينها وتشريعاتها، لأنها أرادت متوهمة أن تكون على صورة الدولة الأوروبية الحديثة، ولكي تكتسب وصف الدولة العصرية، أو الدولة المغايرة لصورة دولة الولايات السلطانية التابعة للخلافة العثمانية.


لهذا فقد عملت هذه الدولة القطرية، على إهمال كل ما يرتبط بالثقافة الإسلامية من مؤسسات ومعاهد وجامعات وأوقاف، وضيقت عليها، إلى أن تحولت مجرد آثار وذكريات تاريخية، كجامعة القرويين في المغرب التي تعد من أقدم جامعات العالم، وجامعة الزيتونة في تونس وغيرها..


ثالثا: أزمة المؤسسة الدينية في علاقتها بالعصر والمعارف الحديثة، إذ انغلقت على نفسها، وانشغلت بالعلوم القديمة والتقليدية، وقطعت جسور التواصل مع مجتمعاتها، وذلك على خلفية حماية كيانها من الغزو الفكري، والاختراق القيمي، والتحصن من تأثيرات الثقافة الأوروبية.


الأمر الذي يعني أن أزمة الفكر الإسلامي ليست أزمة بنيوية فحسب، بحيث نرجع في تحليلها ومعالجتها إلى بنية الفكر الإسلامي فقط، وإنما هي أزمة مؤسساتية أيضا، تحيل النظر إلى الأزمة التي أصابت المؤسسات الدينية.


رابعا: تغلب سلطة التراث، وهيمنة روح التقليد، ومراعاة ذوق العوام، وتمثلت سلطة التراث في جهتين، جهة قوة حضوره، وشدّة هيمنته على الأفكار والمعارف الإسلامية، وجهة الحرج وصعوبة التعامل معه، أو الخروج عليه، إذ اكتسب رهبة وهيبة، كهيبة السلطة ورهبتها.


خامسا: الاستبداد السياسي، الذي شكل مناخاً فكرياً يعارض ويقاوم اتجاهات الإصلاح والتجديد، ويكرس في المقابل اتجاهات التبعية والتقليد.


سادسا: انقطاع المثقفين والنخب الفكرية في العالم العربي والإسلامي عن الثقافة الإسلامية، ففي الوقت الذي اندفع فيه هؤلاء نحو الأفكار والمعارف الحديثة القادمة لهم من المرجعيات الأوروبية، وتمكنوا منها معرفياً ومنهجياً، في مقابل هذا الاندفاع حصل انقطاع عن الأفكار والمعارف الإسلامية، وهذا هو منشأ الخلل والضعف في التكوين الثقافي والذهني عند هؤلاء.


 




  •         هل التجديد يستلزم بالضرورة نقد التراث، والضرب عرض الحائط باجتهادات السابقين؟

التجديد في الفكر الإسلامي، لا يمكن أن يتحقق بدون إعادة قراءة التراث من جديد، وبمنهج العقل النقدي، وعلى أساس فلسفة التواصل وليس الانقطاع، وبخلفية الهضم والاستيعاب، وسعيا نحو التجاوز والإبداع.


والمحنة مع التراث، تتحدد في كون أن الفكر الإسلامي مع أنه بقي وما زال مسكونا بهاجس التراث، إلى درجة أنه يعد من أكثر المنظومات الفكرية اشتغالا به على مستوى الثقافات الإنسانية في العالم، مع ذلك لم يتمكن الفكر الإسلامي من هضم هذا التراث واستيعابه، ولا حتى تمثله، بل يمكن القول إن التراث بوصفه منتجا فكريا، ما زال متفوقا ومتقدما على ما ينتجه المفكرون المسلمون المعاصرون.


وما لم يتقدم الفكر الإسلامي على التراث، من ناحية الإسهام النظري والمعرفي، فإن إشكالية التراث ستظل قائمة، وقيمتها أن تذكر الفكر الإسلامي بالحاجة إلى التقدم والتفوق، ومن دون هذا التقدم على التراث، ستظل مهمة التجديد متعثرة.


 




  •    الملاحظ أن الفكر الإسلامي المعاصر بدأ السير في طريق الحداثة، هل تجد ثمة تراجع عن الثوابت والقيم، أم أن الأمر لا يعدو عن كون الحداثة بالمفهوم الغربي يقابلها الاجتهاد بمفهومنا الإسلامي؟

في الإطار العام يمكن القول إن الفكر الإسلامي مر بثلاثة أطوار من جهة علاقته بالحداثة، بمسمى الحداثة تحديدا، في الطور الأول كان الفكر الإسلامي متأثرا بما سمي بصدمة الحداثة، وتعامل معها بمنطق الشك والرفض والتأثيم أيضا، وكان يرفض المقارنة والاقتران بين الإسلام والحداثة.


في الطور الثاني اقترب الفكر الإسلامي خطوة من الحداثة، وأصبح يقبل الاقتران بين الإسلام والحداثة.


وفي الطور الثالث وصل الحال بالفكر الإسلامي إلى الحديث عن حداثة إسلامية، وفي هذا النطاق جاء كتاب الدكتور طه عبدالرحمن (روح الحداثة.. المدخل إلى تأسيس الحداثة الإسلامية) الصادر سنة 2006م، وفي سنة 2010م نشرت كتابا بعنوان (الإسلام والحداثة.. من صدمة الحداثة إلى البحث عن حداثة إسلامية).


والحداثة تتكون من ثلاثة عناصر أساسية وجوهرية هي العقل والعلم والزمن، وهذه العناصر الثلاثة بتمامها هي من مكونات مفهوم الاجتهاد، بالشكل الذي يجيز لنا القول بأن مفهوم الاجتهاد في المجال الإسلامي هو المفهوم الذي يعادل أو الذي بإمكانه أن يعادل مفهوم الحداثة في المجال الغربي.


مع ذلك فهناك من اقترب من الحداثة على مستوى الأفراد، وعبثت به وبقيمه وثوابته، وهناك من فقد توازنه الفكري والروحي.


 




  •        قلتم أن القرآن جاء بنظرة متطورة نحو الإنسان، لكن هلا حدثتنا عن منهجية القرآن في التعامل مع التاريخ؟

عند النظر في منهجية القرآن الكريم في التعامل مع التاريخ، يمكن تسجيل الملاحظات الآتية:


أولا: الحضور الواسع للتاريخ في القرآن الكريم، الحضور الذي نراه ممتدا من بداية القرآن إلى نهايته، في سور مكية ومدنية، طويلة وقصيرة، بالشكل الذي يلفت النظر بشدة إلى علاقة القرآن بالتاريخ فكرة وحدثا.


ثانيا: حدد القرآن لنا بداية للتاريخ الإنساني، وتحددت هذه البداية مع خلق أدم وهبوطه إلى الأرض، ومن هذه الجهة عالج لنا القرآن قضية مهمة جدا، هي من يبدأ التاريخ الإنساني.


ثالثا: ركز القرآن كثيرا على أقوام الأنبياء، ودرس هذه الأقوام بصفتها حالات متنوعة ومتعددة لجماعات ومجتمعات، وجاء التركيز على هذه الأقوام بقصد لفت الانتباه إلى دور الأنبياء في التاريخ من جهة، ولفت الانتباه إلى دور وأثر الوحي والدين في التاريخ من جهة أخرى.


بمعنى أن القرآن يلفت الانتباه إلى دور الحق في التاريخ، وليس لدور القوة في التاريخ، ويلفت الانتباه إلى دور الأنبياء في التاريخ، وليس إلى دور الأبطال أو الأقوياء، أو الحكام أو أصحاب القوة والجاه والنفوذ، وهم الذين استأثروا بكتب التاريخ التي صنفها البشر.


رابعا: إن عناية القرآن الفائقة بالتاريخ فكرة وحدثا، تجعل من التاريخ مصدرا من مصادر المعرفة، ومصدرا من مصادر العبرة، المعرفة التي تفيد العلم، والعبرة التي تفيد الفهم والحكمة.


خامسا: إن القرآن هو الذي اكتشف للفكر البشري وجود السنن والقوانين التاريخية والاجتماعية التي تحكم حركة التاريخ، وسير المجتمعات، وحياة المدنيات الإنسانية تقدما وتراجعا، وبهذا الاكتشاف يكون القرآن الكريم قدّم فتحاً عظيماً للإنسان لكي ينظم حياته، ويبني مدنيته، ويتطلع لمستقبله على أساس هذه السنن.


وحين يستحضر الشيخ محمد عبده، الآيات التي تحدثت عن السنن الإلهية، يقول: (هذا إرشاد إلهي، لم يعهد في كتاب سماوي، ولعله أُرجئ إلى أن يبلغ الإنسان كمال استعداده الاجتماعي، فلم يرد إلا في القرآن الذي ختم به الأديان).


 




  •    الاستشراق والغرب مسكونين بالماضي في النظر إلى الإسلام، ما هي الصورة التي يجب أن يقدمها المسلمون عن الإسلام بهدف تعديل النظرة الغربية له، سواء رضي الغرب أم لم يرض، ثم ما الذي ترونه من واجب على الغرب تجاه الإسلام؟

علينا أن نعلم ابتداء، أن الصورة تأتي من الواقع، وبحسب الواقع تتشكل الصورة، فالواقع الحسن يشكل صورة حسنة، والواقع السيئ يشكل صورة سيئة، والواقع المتقدم يفرز صورة متقدمة، والواقع المتخلف يفرز صورة متخلفة.


وهذا يعني أن المشكلة ليست في الصورة، وإنما هي في الواقع الخارجي، وعلينا أن نلتفت إلى هذا الواقع تعديلا وإصلاحا، نهضة وتقدما، فلا معنى للانشغال بالصورة وتحسينها في ظل واقع سيئ، يحكي عن التخلف والانحطاط، وعن التراجع والجمود.


وعلينا أن ندرك أن تحسين صورة الإسلام في الغرب، القضية التي يجري الحديث عنها دائما، فإن هذه الصورة لن تتحسن، ولن تكون مقنعة في الغرب وعند الغربيين، إلا بتحسن واقع المسلمين، أحوالهم وأوضاعهم العامة.


وهذا هو التحدي، فهل بإمكان المسلمين تحسين أحوالهم وأوضاعهم العامة، حتى تتحسن صورتهم أمام العالم!


والغرب ليس بحاجة إلى من يحدد له واجبه تجاه الإسلام، وهو لا ينتظر من أحد أن يعرفه بهذا الواجب، ولعله لا يقبل التعامل معه بمنطق الواجب، فالمشكلة ليست في الغرب وإنما المشكلة عندنا وفي أنفسنا، مصداقا لقوله تعالى (قل هو من عندي أنفسكم).


 




  •    مر على العالم الإسلامي زهاء قرن ونصف ولا زالت الأسئلة هي الأسئلة تراوح مكانها، وسلكنا دروبا أفضت بنا إلى اللاشيء، برأيك أين يكمن الخلل؟

الخلل يكمن في أننا مازلنا في حالة تراجع ولم نتقدم، ولو تقدمنا لتغيرت الأسئلة اليوم، والمشكلة أن العالم الإسلامي تنبعث في داخله اليوم وبقوة، ما يمكن أن نسميه عقلية القرون الوسطى، التي تثير نزعات الكراهية والتعصب والتكفير، وتكرس اتجاهات القطيعة والانغلاق، وتحرك رياح الفتن المذهبية والحروب الدينية.


ماذا ننتظر من أسئلة في ظل هذا الواقع المر، الذي يبعث على الإحباط والتشاؤم!


وفي مقابل هذا الوضع، العالم الإسلامي بحاجة إلى أن يطلق من داخله حركة تنوير لمجابهة عقلية القرون الوسطى، هذا هو الحل، وهذا هو العلاج.


والسؤال يطرح: هل إن العالم الإسلامي أصبح جاهزا لأن يطلق من داخله حركة التنوير!


 




  •    هناك أطروحتان في المجال الشيعي الأولى ولاية الأمة على نفسها، والثانية ولاية الفقيه، ألا ترى أن فيهما شيء من التناقض، وأية ولاية ترى أنها على صواب؟

تعدد الأطروحات الفقهية والسياسية هو من ثمرة الاجتهاد في المجال الإسلامي الشيعي، وكنا بحاجة إلى هذا التعدد في الأطروحات الفقهية والسياسية، التعدد الذي يرفع الضيق والحرج من جهة، ويضمن السعة واليسر من جهة أخرى.


ولاية الأمة على نفسنا التي عرف بها الشيخ محمد مهدي شمس الدين، قيمة هذه الأطروحة أنها أعادت الاعتبار لمفهوم الأمة المغيب في الأدبيات السياسية السلطانية المتوارثة من الأزمنة الإسلامية القديمة.


أما ولاية الفقيه التي عرف بها الإمام الخميني، فقيمة هذه الأطروحة أنها أوصلت المجتمع الإيراني إلى انتصار ثورته الإسلامية، وبفضلها حافظ على وحدته وتماسكه.


 




  •   فقه المصالح في الفقه الشيعي والفكر الشيعي مرفوض لدى أغلب فقهاء الشيعة ومفكريهم, إلى ما يعزو هذا الرفض؟

فقه المصالح بهذه العنوان ليس مرفوضا في الفقه الشيعي، ففقهاء الشيعة يرون أن أحكام الشريعة قائمة على المصالح والمفاسد.


وإذا كان المقصود من السؤال أدلة القياس والاستحسان والمصالح المرسلة، والتي تعرف بالأدلة الفرعية في أصول الفقه عن المسلمين السنة، فهذه الأدلة من جهة هي مورد خلاف ونزاع عند الأصوليين السنة، بمعنى أنها ليست مورد اتفاق عندهم.


ومن جهة أخرى، أن المسلمين الشيعة يرون أن هذه الأدلة تفيد الظن، ولا تفيد العلم الذي يحرز الواقع.


ومن جهة ثالثة، أن المسلمين الشيعة تطور عندهم أصول الفقه بشكل أغناهم عن الحاجة إلى تلك الأدلة، وذلك بفضل الاجتهاد المفتوح الذي لم يغلق، ولم يصل إلى حالة الانسداد.


 




  •    ربط قيام الدولة بأصول الدين في الفكر الشيعي، ألا ترى أن لهذا الربط أثار غير حميدة على الفكر الإسلامي عموما والشيعي خصوصا؟

لا أجد مثل هذا الربط بين الدولة وأصول الدين في الفكر الشيعي، ومفهوم الإمامة هو غير مفهوم الدولة، وحتى الإمامة هي من أصول المذهب، وليست من أصول الدين.


 




  •    نعى الشيخ محمد مهدي شمس الدين في بعض حواراته المنشورة فقه المقاصد عند الشيعة، فهل رأيه في محله، وما سبب غياب فقه المقاصد عند الشيعة؟

مبحث المقاصد لم يتطور في السابق عند المسلمين الشيعة، لسبب رئيسي له علاقة بالعلم من جهة أصول الفقه، فقد ارتبط هذا المبحث بالمصلحة والقياس والتعليل، وهي العناوين التي كانت موضع شك وتحفظ في أصول الفقه عند المسلمين الشيعة، لكونها تفيد الظن ولا تفيد العلم.


وتغير هذا الحال اليوم، مع ارتباط المقاصد بالبحث عن كليات الشريعة، وعن المقاصد العامة للشريعة، لجعل النظر الكلي للشريعة حاضرا في التعامل مع أحكام الشريعة ونصوصها، وعلى أساس عودة الفرع إلى الأصل، وربط الأصل بالفرع.


 




  •        المدرسة السنية تكرس الدعوة لتقليد الموتى، والمدرسة الشيعية على العكس من ذلك، هل من توضيح؟

المدرسة الإسلامية الشيعية ترى أن باب الاجتهاد ما زال مفتوحا، وترتب على هذا الأمر في باب الاجتهاد والتقليد، عدم جواز تقليد المجتهد الميت ابتداء، وجواز البقاء على تقليده بعد موته، لكن بشرط إجازة من المجتهد الحي.


وهذا يسري فقط في أحكام المسائل الشرعية الفرعية، أي في مجال الفقه العبادات والمعاملات، وليس في العقائد وأصول الدين، التي لا يجوز بل ويمتنع التقليد فيها.


 




  •    الماضي يعيد إنتاج نفسه في المدرستين السنية والشيعية على السواء، ما هي أبرز الأسباب التي أدت إلى إعادة إنتاج الماضي، وما هو الحل في نظركم؟

من أبرز هذه الأسباب غلبة سلطة التراث، وهيمنة روح التقليد، وهذا ما أشرت إليه من قبل، إلى جانب أن العصر الذهبي الذي يفتش عنه دائما ما زال ينتمي إلى الماضي، وبصورة عامة هذا هو طبع المجتمعات غير المتقدمة.


والمحنة الحقيقية التي تواجه الفكر الإسلامي المعاصر، الذي ما زال يفتش عن ابن سينا في عصره ولم يجده، وعن ابن رشد في عصره ولم يجده، وعن ابن خلدون في عصره، وعن الخوارزمي وابن الهيثم وابن النفيس والبيروني وغيرهم، ولم يجد أحداً منهم في عصره.


ولهذا فإن هناك من يبحث عن العصر الثاني لابن سينا، والعصر الثاني لابن رشد، والعصر الثاني لابن خلدون، وهو العصر الذي لم يتمكن الفكر الإسلامي المعاصر من إبداعه أو تمثله، أو الوصول إليه.


والحل يكمن على مستوى النظر في أن يبدع الفكر الإسلامي من داخله حداثته المستقلة، وعلى مستوى العمل أن تخطو المجتمعات العربية والإسلامية خطوات حقيقية نحو التقدم.


 




  •    هناك طرح لبعض المفكرين مفاده أن واقع المسلمين يعيش حالة الضرورة، الأمر الذي يستدعى تفعيل فقه الكليات (المقاصد)، وفي المقابل نجد رأيا يرفض هذا الطرح ويقول أنها دعوة لضرب الروايات الصحيحة، ما تعليقكم؟

صورة الإشكالية في هذا السؤال تتحدد على النحو الآتي: هل تترتب جميع آثار الشريعة الإسلامية، في المجتمعات التي لا يطبق فيها الإسلام كاملا!


وبصيغة أخرى: ما هي الطريقة المناسبة مع المجتمعات التي لا يطبق فيها الإسلام كاملا! هل يجري التعامل معها بعموميات الشريعة، أم بتفاصيل الشريعة؟


وبصيغة ثالثة: هل تنطبق الحدود في الشريعة كاملة، على مجتمع لا يطبق فيها الإسلام كاملا!


أم يلتزم بتطبيق عمومات الشريعة، وتفعيل فقه الكليات والمقاصد!


أمام هذه الإشكالية، هناك انقسام في الموقف بين الاتجاهات التي يغلب عليها المنحى التقليدي وتميل إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في جانب الحدود، في مجتمعات لا يطبق الإسلام فيها كاملا، وبين الاتجاهات التي يغلب عليها المنحى الإصلاحي وتميل إلى الرأي الثاني.


 




  •         في أحد حواراته التلفزيونية أكد راشد الغنوشي أن الدولة لا تلزم الناس بالدين، هل من تعليق؟

أن الدولة لا تلزم الناس بالدين، هذه المقولة حتى تكون صادقة بحاجة إلى تتميم، ويتحدد هذا التتميم في أمرين: الأول أن الدولة أيضا لا تمنع الناس من الالتزام بالدين، والثاني أن الدولة لا تعمل على إضعاف التزام الناس بالدين.


والمهم حسب قول الشيخ محمد مهدي شمس الدين في كتابه (في الاجتماع السياسي الإسلامي)، هو استمرار الإسلام في الأمة، واستمرار الأمة مسلمة موحدة.


 




  •         فكرة القابلية للاستعمار، هل لا زالت قائمة في المخيال العربي، وما الدليل؟

في سنة 2011م، شاركت في مؤتمر دولي حول مالك بن نبي، عقد في مدينة تلمسان الجزائرية، ووجدت هناك أن الجدل ما زال يتجدد حول مقولة القابلية للاستعمار، مع أن هذا الجدل اليوم لم يكن بحدة وشراسة ما كان عليه من قبل، في خمسينات وستينات القرن العشرين.


وأساسا لم تكن هذه المقولة بصدد التهوين من الاستعمار، أو التبرير له، أو التخاذل معه، وإنما كانت بصدد النظر إلى المشكلة من الداخل، ومن الذات على قاعدة (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).


  

زر الذهاب إلى الأعلى